عمرو بن معد يكرب رضي الله عنه

جوكوزال

عضو نشط
التسجيل
13 يناير 2007
المشاركات
1,890


نتحدث اليوم عن فارس اليمن المشهور عمر بن معديكرب الزبيدي


- نبذة مختصرة:

هو عمرو بن مَعْدِيكـَرِب بن عبدالله بن عمرو بن عصم بن عمرو بن زُبَيد الأصغر (منبه) بن ربيعة بن سلمة بن مازن بن ربيعة بن منبه بن زُبيد الأكبر بن الحارث بن صعب بن سعد العشيرة بن مذحج بن أُددبن زيد بن كهلان بن سبأ بن يشجب بن يعرب بن قحطان .
كنيته أبو ثور ، وأمه من المنجبات ويُقال أنها من مذحج. شاعرٌ مخضرم. كان من المعمرين وأقل ماقيل في عمره 106 سنين وقيل 120 سنة وقيل 150 ، وليس ذلك بغريب فابن أخته دريد بن الصمة الذي قـُتِل مشركاً في غزوة حنين كان تجاوز المئة فما بالك بعمرو الذي عايش الفتوحات الإسلامية .
قـَدِم عمرو على رسول الله-صلى الله عليه وسلم- في السنة التاسعة للهجرة-وقيل العاشرة - مع وفد زبيد فأسلم وأقام مدَّة في المدينة، ثم رجع إلى قومه سامعاً مطيعاً ، وعليهم فروة بن مسيك المرادي . ثم لما مات ارتد مع الأسود العنسي ، فسير إليه أبو بكر خالد بن سعيد بن العاص فقاتله ، فضربه خالدٌ على عاتقه فانهزم، وأخذ خالدٌ سيفه . فلما رأى عمرو الأمداد من أبي بكر -رضي الله عنه- أسلم؛ ودخل على المهاجر بن أبي اُمية بغير أمان، فأوثقه وبعث به إلى أبي بكر ،فقال له أبو بكر:"أما تستحس كل يومٍ مأسوراً أو مهزوماً؟! لو عزَّزت هذا الدين لرفعك الله". قال عمرو" لاجرم،لأقبلن ولا أعود" ،فأطلقه وعاد إلى قومه، ثم عاد إلى المدينة مع عدد من قومه ، فبعثه أبو بكر -رضي الله عنه- إلى الشام فشهد اليرموك وله في اليرموك بلاءٌ حسن؛وقد ذهبت فيها إحدى عينيه. ثم عاد إلى المدينة في عهد عمر بن الخطاب وقيل أن عمر كان يستمتع بالجلوس مع عمرو ويستمع إلى حكاياته البطولية،ثم أرسله عمر-رضي الله عنه-إلى القادسية، وله في القادسية أيضاً بلاءٌ حسن-ولكنني لا أُصدق ماجاء في كتب الأدب أنـَّه هو الذي قتل رستم لأن قاتل رستم كما ورد في كتب التاريخ هو هلال بن علقمة العقيلي وقيل زهير بن عبد شمس وقيل رجلٌ من بني أسد وبذلك افتخرو عمرو بن شأس في شعره ؛ وأغلب الظن أن القصة التي تحكى عن قتل عمرو بن معديكرب لرستم مصنوعة.
اختلفت الأقوال في موت عمرو فقيل أنه قتل في القادسية، وقيل بل عاش إلى أن شهد موقعة نهاوند ومات سنة 21 هـ وقيل بل مات قبلها.


- شهرة عمرو الأسطورية وسببها:

كان عمرو فارس اليمن ويُقدَّم على زيد الخيل في الشـِّدَّة والبأس . له معارك كثيرة وغزوات مشهورة وغطِّت شهرته الآفاق حتـَّى أن سيفه "الصمصامة" كان أشهر من كثير من الأبطال .
ونحن نعلم أن من يشتهر هكذا مع قلة الرواة المدققين المصححين تدخل في سيرته الكثير من الأكاذيب والمبالغات والأساطير .
وقد جاءت حول عمرو بن معديكرب الكثير من الأعاجيب المشكوك في صحتها حول ضخامة جسمه وقوة ضربه وقصصه مع أبطال العرب ، بل وملاحمه مع المسلمين ضد الفرس ، وأنَّه هو الذي قتل رُستم . بل وكانت بعض قبائل العرب إذا أرادت أن تـُمـَجـِّد بطلا ًذكرت له قصة مع عمرو بن معديكرب. كما قيل أن عمرو كان يلذ له ذكر القصص عنه ولم يكن يكذب الكثير منها مع علمه بأنها بعضها مختلقة، بل أن بعض الرواة كانوا يعتقدون أن بعض القصص المكذوبة هذه كانت من صنع عمرو بن معديكرب نفسه ، وقد اشتهر عند العرب أن عمرو كان يكذب في بعض قصصه؛ وهذه ليست تهمة كبيرة ضد عمرو ففارس مثله من الدهاء والحنكة أن يملأ قلوب أعدائه بالرعب منه، وكانت هذه خطة ناجحة فكم من الفرسان هزموا أمام عنترة وعمرو ودريد قبل أن يجربوا ضرب سيوف هؤلاء الأبطال فالسمعة ولاشك مفيدة في الحرب. وقد صرح عمرو بأنه كان يكذب ليرهب أعداءه في قصة حكيت عنه -وأنا هنا لاأجزم بأنها صحيحة- ولكن حتى لو لم تكن صحيحة فهي تشير إلى أن الناس كانوا يعرفون الهدف من كذب عمرو وجاء في القصة : أن عمرو بن معديكرب وقف مرَّة ً بالمربد يتحدث الى الناس بقوله اغرت يوما في الجاهلية على بني مالك فخرجوا مستنجدين ((بخالد بن الصعقب)) فحملت عليه بالصمصامة فقطعت راسه وكان (خالد) حاضرا فقال احدهم يا (أبا ثور) إن قتيلك يسمع كلامك فأكمل عمرو: اسكت إنما انت جليس فاسمع او قم ثم التفت الى خالد وقال : لاعليك ياابن اخي إنما نرهب هؤلاء القوم بمثل هذه الأخبار .
وكلنا نعلم مقالة علي بن أبي طالب المشهورة التي يقول فيها " إن حدثتكم عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فلأن أخر من السماء خيرٌ لي من أن أكذب على رسول الله، وإن حدثتكم في الحرب فالحرب خدعة"؟ .
وإذن فهل كان عمرو يستحق هذه الشهرة الأسطورية التي شاعت عنه؛ أمّا أنا فأقول نعم فالقصص الثابتة تقول أن عمراً واجه الكثير من الأبطال وانتصر عليهم أو على الأقل لم يستطيعوا أن يغلبوه، وتقول الروايات أنه التقى عدداً كبيراً من الأبطال المعروفين ، ولكن في ذلك مبالغة خاصة في الأقوال التي تقول أنه التقى عنترة بن شداد فلقاء مثل هذا لايمكن أن يجهل ، كما يصعب أن نصدق أنه التقى بدريد بن الصمة الجشمي لأن دريداً هو ابن أخته ريحانة التي قيل أنها كانت أحب الناس لديه ؛ ولكن عمراً بالفعل ثبت أنه التقى العباس بن مرداس وانتصر عليه، والتقى عامر بن الطفيل يوم فيف الريح ولم يستطع عامر أن يغلبه، كما من غير المستغرب أن يكون التقى السليك بن السلكة لأن السليك كان كثير الهجوم على قبائل اليمن .
كما أن شهرة عمرو بين العرب لم يكن من الممكن أن تشيع دون أن يكون لها أصل ،بل قد وصلت شهرة عمرو بين العرب حتى أنهم أصبحوا يتفاخرون عندما يذكر أن عمراً كان يخشى من أحد أبطالهم ، وقد شاعت بين العرب عبارة ذكرها عمرو وأخذوا يدخلون فيها أبطالهم فقد قال عمرو:" لو سرت بظعينة وحدي على مياه معدّ كلها ما خفت أن أغلب عليها ما لم يلقني حرّاها أو عبداها". أما العبدان فالمشهور أنهما عنترة والسليك، وأما الحـُرَّان فقد اختلفت الروايات فيهم وأخذت القبائل تجعل أبطالها فيها فقد ذكروا أنه كان يعني بالحرين عامر بن الطفيل وعتيبة بن الحارث، وقيل بل كان يعني دريداً بن الصمة وربيعة بن مكدم ،وقيل بل كان يعني الحارث بن ظالم والعباس بن مرداس وهكذا . وفي النهاية فلو كانت العرب لاترى استحقاق عمرو للبطولة لما افتخرت العرب بكون عمرو يخشى أبطالهم.

بطولة غريبة:
- مع ما اشتهر عن عمرو من البطولة فقد اشتهر أيضاً أنه من الأبطال الذين لايرون في الفرار عيباً ، ولم يكن عمرو يستحي من اشتهاره بالفرار بل كان يصرح بذلك في بعض قصائده ومن ذلك قوله:

ولقد أجمع رجلي بها = حذر الموتِ وإنِّي لفرور

وعمرو حين يتحدث عن فراره فهو يذكر السبب لذلك ،فعمرو لم يكن يقاتل لكي يموت بل كان يقاتل لكي ينتصر، وحين كان عمرو يرى استحالة النصر واحتمالية الموت فإنه يهرب ، ولكنه لايهرب والخوف ملء قلبه بل ويهرب وفي قلبه العزيمة على العودة للانتصار وهو كثيراً مافعل ذلك ، فأهم مايمكن أن نقوله عن عمرو أنه كان من الأبطال الدهاة ولذلك سادت قبيلته الكثير من قبائل اليمن ، ولم يكن عمرو من أولئك الأبطال الذين يضحون بأنفسهم دون هدف ، ولذلك فقد خبا ذكر هؤلاء الذين ضحوا بأنفسهم دون هدف، وبقي ذكر عمرو، وقد اشتهرت عبارة عن عمرو ونُسبت أيضاً إلى عنترة تلخص فيها سياسته في الحرب وسبب شهرته :
فقد سئل يوماً: أأنت أشجع الناس؟. قال عمرو: لا. قيل : وكيف شاع ذلك بين الناس؟ قال:
" كـُنت أ ُقدم إذا رأيت الإقدام عـَزماً ، وأ ُحجـِم إذا رأيت الإحجام حـَزماً ، ولا أدخل موضعاً لا أرى لي منه مخرجاً ، وكُنتُ أعمد إلى الضعيف فأضربه ضربةً يطير لها قلب الشجاع فأ ُثنـِّي عليه فأقتله ".
وهنا لعلنا نقول أن لسان حال عمرو بن معديكرب هو أول من قال للعالم الكلمة المشهورة : " كل شيءٍ في الحرب مباح"، فلم يكن عمرو يستحي من الفرار أو الكذب أو الخديعة إذا كان ذلك في مجال الحرب، وأما في غيرها فلم يشتهر عنه ذلك وإلا لما جعله قومه سيداً عليهم.


- قصة انتقامه لمقتل أخيه عبدالله:
كان عبدالله بن معديكرب ريئس قومه وكان جالساً مع بني مازن ومعه رهطٌ من سعد العشيرة . فجعل عبدالله يشرب ويسقيهم رجلٌ يقال له المخرَّم من بني زبيد له مالٌ وشرف، وكان عبد من عبيد المخرم يسقي القوم -وقيل إن العبد تغنَّى في امرأة من زبيد- فلطمه عبدالله وقال له: أما يكفيك أن تشرب معنا حتّى تـُشبِّب بنسائنا ، فنادى العبد: يا لبني مازن. فقام رجلٌ نشوانٌ منهم فقتل عبدالله ، وقيل بل اجتمعوا عليه فقتلوه. فرأس عمرو بعد أخيه عبدالله وجاءت بنو مازن ٍ إلى عمرو وقد رجع من غزاة ٍ له، فقالوا: "قتله رجلٌ منَّا بسيفه وهو سكران، ونحن يدك وعضدك ،فنسألك بالرحم أن تأخذ الدية وتأخذ بعد ذلك ما أحببت". فأخذ عمرو الدية وزادوه بعد ذلك أشياء كثيرة ، فغضبت أختٌ له تسمى كبشة ، وكانت متزوجة في بني الحارث بن كعب ، فقالت:

وأرسل عبدالله إذ حان يومه = إلى قومه ألاَّ تـُخلـُّوا لهم دمي
ولا تأخذوا منهم إفالاً وأبْكُراً = وأُتْرَكَ في بيتٍ بصَعْدَة مُظْلِمِ
ودَع عنك عمراً إنَّ عمراً مُسالِمٌ = وهل بَطْنُ عمروٍ غيرُ شِبْرٍ لمطعمِ
فإن أنتمُ لم تـقتُلوا واتـَّديتُمٌ = فمَشُّوا بآذان النَّـعـام المُـصلـَّمِ
ولا تشربوا إلا فضول نسائكم = إذا أ ُنهِلَت أعـقابهن من الـدَّمِ
جَدَعْتـُم بـعبدالله آنُفَ قـومه =بني مازن ٍ أن سُبَّ ساقي المُخـرَّمِ
فلما حضَّت كبشة أخاها عمراً أكَبَّ بالغارة عليهموهُم غافلون،فأوجع فيهم، ثم إن بني مازنٍ احتملوا فنزلوا في مازن بن مالك بن عمرو بن تميم ، وفي انتقامه لأخيه وانتصاره على بني مازن قال عمرو قصيدة منها:

تـَمَنَّت مازنٌ جهلا ً خِلاطي = فذوقي مازنٌ طعمَ الخِلاطِ
أطلتُ فِراطكم عاماً فعاماً = ودَينُ المُذحِجيِّ إلى فِراطِ
أطلتُ فِراطكم حتى إذا ما = قتلت سَرَاتكُم كانت قطاطِ
غدرتم غدرةً وغدرتُ أخرى = فما إن بيننا أبداً يعاطِ

- قصته الأسطورية مع ابنه الخُزَز: وهذه القصة اختلط فيها الواقع بالخيال ولكن نوردها لأنها وردت في أحد كتب الأدب الموثوقة مع جزمنا بأن فيها من الخيال الشيء الكثير وقد وردت هذه الرواية عن الأصمعي وفيها يقول:
خرج عمرو بن معديكرب فلقي امرأة من كِندة بذي المجازيقال لها حُبَّى، فلما رآها أعجبه جمالها وكمالها وعقلها ،فعرض عليها نفسه، فقال لها: هل لكِ في كفٍْ كريم ،ضروبٍ لهامة الرجل الغشوم، طيِّب الخِيم، من سعدٍ في الصميم؟. قالت: نِعم زوج الحُرَّة الكريمة! ولكن لي بعلاً يصدق اللقاء،ويخيف الأعداء،ويُجْزِل العطاء. فقال : لو علِمتُ أن لكِ بعلاً ماعرضت عليكِ نفسي، فكيف أنت إن أنا قتلته؟. قالت: لا أصِيفُ عنك ولا أعدِلُ بك، ولا أُقصِّرُ بك؛ وإيَّاك أن يَغُرَّك قولي وأن تُعرِّض نفسك للقتل ، فإنِّي أراك مفرداً من الناصروالأهل،والرجل في عزَّةٍ من الأهل وكثرةٍ من المال... فانصرف عنها عمرو وجعل يتبعها من حيث لاتعلم به، فلمَّا قدمت على زوجها جاء عمرو مستخفياً حيث يسمع كلامهما ، فسألها بعلها عما رأت في طريقها، فقالت: رأيت رجلاً شديد البأس، يتعرَّض للقتال ،ويخطب حلائل الرجال. فقال: ذلك عمرو، ولدتني أمه إن لم يأتك مقروناً إلى جملٍ صعبٍ غيرِ ذلول... فلمَّا سمع عمروٌ كلامه دخل عليه بغتةً من كسر خبائه فقتله، ووقع عليها. فلمَّا فرغ قال لها: إنِّي لم أقع على امرأةٍ إلاَّ حملت، ولا أراكي إلاَّ حملتي، فإن ولدتِ غلاماً فسميه خُززاً،وإن ولدتِ جاريةً فسميها عِكرِشة، وأعطاها علامةً ومضى ومكث بعد ذلك دهراً، ثم خرج بعد ذلك يوماً يتعرض للقتال عليه سلاحه فإذا هو بفتىً على فرسٍ شاكٍ في السلاح، فدعاه عمروٌ للمبارزة ،فأجابه الفتى، فلما اقتتلا صرع الفتى عمراً وجلس على صدره ليذبحه، فسأله : من أنت؟ فقال: أنا عمرو بن معديكرب... فهمز الفتى على صدره وقال: أنا ابنك الخُزَز!... وأعطاه العلامة، فأمره عمرو أن يسير إلى صنعاء ولايكون ببلدةٍ هو بـِها، ففعل الغلام ذلك، فلم يَلبَث أن ساد من كان بين أظهرهم، فاستغووه وأمروه أن يقاتل عمراً وشكوا إليه فعل عمروٍ بهم، فسار إلى أبيه بجمعٍ من أهل صنعاء، فلمَّا التقيا شَدَّ كل واحدٍ منهما على صاحبه فقتله عمرو، وقال في ذلك أبياتاً منها:
أمرتك يوم ذي صنعاء أمرًا باديا رشده
أمرتك باتقاء الله والمعروف تتعده
تمناني على فرس عليه جالسا أسده
عليَّ مفاضة كالنُّهي أخلص ماءه جدده
ترد الرمح منثني السنان عوائرا قصده
فلوا لاقيتني للقيت ليثا فوقه لبدة
تلاقي شنبثا شثن البراثن ناشزا كتده
يسامي القرن إن قرن تيممه فيعتضده
فيأخذه فيرفعه فيخفضه فيقتصده
فيدمغه فيحطمه فيخضمه فيزدرده

وفي النهاية فإننا نقول أن هذه القصة يغلب عليها أنها من وحي الخيال والذي يدلنا على ذلك هي الأبيات التي وردت في نهايتها ، فالثابت عند أهل الأدب أن هذه الأبيات وردت في قصة مشهورة لعمرو بن معديكرب مع قيس بن مكشوح المرادي وفيها: أن عمرو قال لقيس بن مكشوح المرادي ، حين انتهى إليهم أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم ‏:‏ يا قيس ، إنك سيد قومك ، وقد ذكر لنا أن رجلاً من قريش يقال له محمد قد خرج بالحجاز ، يقول إنه نبي ، فانطلق بنا إليه حتى نعلم علمه ، فإن كان نبياً كما يقول ، فإنه لن يخفي عليك ، وإذا لقيناه اتبعناه ، وإن كان غير ذلك علمنا علمه ، فأبي عليه قيس ذلك ، وسفه رأيه ، فركب عمرو بن معديكرب حتى قدم على رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فأسلم ، وصدقه ، وآمن به.


قصة أخرى من قصصه الأسطورية:
وهذه القصة أغلب الظن عندي أنها مختلقة، ولكنني أوردتها لافتتان الناس بها ، وشغفهم الغريب حتَّى أنَّ هذه القصة وردت بعدة روايات كلها تدور حول فارس يحب ابنة عم له ويخطفها من أهلها الذين هم أبوها وأخويها وكلهم بما فيهم الفتاة أشجع وأقوى من عمرو. ويالغرابة هذه القصة فهؤلاء الفرسان إن كانوا أقوى من عنترة فلِم لم تعرفهم العرب ، ولِم لم نسمع عن بعض غزواتهم وأيامهم, ولكن نورد القصة فهي-والحق يقال-بديعة التأليف.

وفيها أن عمرو بن معديكرب دخل على عمر بن الخطاب رضي الله عنه، فقال له عمر:
ياعمرو، اخبرني عن اشجع من لقيت... قال: والله يا أمير المؤمنين لأخبرنك عن أجبن الناس وأحيل الناس، وأشجع الناس! خرجت مرة أريد الغارة، فبينما أنا أسير إذ بفرس مشدود، ورمح مركوز، وإذا رجل جالس، وهو كأعظم مايكون من الرجال خلقاً، وهو محتب بسيف.
فقلت له: خذ حذرك فإني قاتلك. فقال: ومن أنت؟ قلت: أنا عمروبن معديكرب، فشهق شهقة، فمات. فهذا أجبن من رأيت يا أمير المؤمنين.
وخرجت يوماً حتى انتهيت إلى حي، فإذا أنا بفرس مشدود، ورمح مركوز، وإذا صاحبه في وهدة يقضي حاجة. فقلت: خذ حذرك فإني قاتلك. قال: من أنت؟ قلت: أنا عمرو بن معد يكرب. قال: أبا ثور، ما أنصفتني! على ظهر فرسك، وأنا في بئر، فأعطني عهداً أنك لا تقتلني حتى أركب فرسي، وآخذ حذري، فأعطيته عهداً ألاَّ أقتله حتى يركب فرسه، ويأخذ حذره.
فخرج من الموضع الذي كان فيه، حتى احتبى بسيفه وجلس. فقلت له: ماهذا؟ فقال: ما أنا براكب فرسى، ولا بمقاتلك، فإن نكثت عهدك فأنت أعلم، فتركته ومضيت.فهذا يا أمير المؤمنين أحيل من رأيت!
ثم إني خرجت يوماً آخر، حتى انتهيت إلى موضع كنت أقطع فيه، فلم أر احداً، فأجريت فرسى يميناً وشمالا، فظهر لي فارس. فلما دنا مِنِّي إذا هو غلام قد أقبل نحو اليمامة. فلما قرب مني سلم، فرددت عليه وقلت: من الفتى؟ قال: أنا الحارث بن سعد، فارس الشهباء، فقلت له: خذ حذرك، فإني قاتلك، فقال: الويل لك! من أنت؟ قلت: أنا عمرو بن معد يكرب. قال: الحقير الذليل؟ والله ما يمنعني من قتلك إلا استصغارك، فتصاغرت نفسي الى وعظم عندي ما استقبلني به. فقلت له: خذ حذرك، فوالله لا ينصرف إلا أحدنا. قال: اغرب، ثكلتك امك! فإنى من أهل بيتٍ ما نكلنا عن فارس قط! فقلت: هو الذي تسمع. قال: اختر لنفسك: إما أن تطـَّرِدَ لي، وإما أن اطرد لك، فاغتنمتها منه، فقلت: أطرد لي. فأطرد، وحملت عليه، حتى إذا قلت: إني وضعت الرمح بين كتفيه، إذا هو قد صار حزاماً لفرسه، ثم اتبعني، فقرع بالقناة رأسي، وقال: ياعمرو، خذها إليك واحدة، فوالله لولا أني أكره قتل مثلك لقتلتك، فتصاغرت إليَّ نفسي، وكان الموت- والله يا أمير المؤمنين- أحبُّ إليَّ مما رأيت، فقلت: والله لا ينصرف إلا أحدنا، فقال: اختر لنفسك، فقلت: اطَّرِد لي...فاطَّرد لي، فظننت أنِّي قد تمكنت منه، واتبعته حتى إذا قلت: إني قد وضعت الرمح بين كتفيه، فإذا هو قد صار لببًا لفرسه، ثم اتبعني فقرع رأسي بالقناة، وقال: ياعمرو، خذها إليك ثانية. فتصاغرت إلى نفسي، فقلت: والله لاينصرف إلا أحدنا. فقال: اختر لنفسك. فقلت: أطرد لي. فأطرد حتى إذا قلت: إني وضعت الرمح بين كتفيه وثب عن فرسه، فإذا هو على الأرض، فأخطأته ومضيت.فاستوى على فرسه، واتبعني فقرع بالقناة رأسي، وقال: ياعمرو، خذها إليك ثالثة. ولولا أني اكره قتل مثلك لقتلتك.
فقلت له: اقتلني، فإن الموت أحب الى مما أرى بنفسي، وأن تسمع فتيان العرب بهذا فقال: ياعمرو، إنما العفو ثلاث، وإني ان استمكنت منك الرابعة قتلتك وأنشأ يقول:
وكـَّدت اغلاظًا من الأيمان
إن عدت ياعمرو إلى الطعان
لتـُوجـِرنَّ لهب السِّنان
أولا، فلست من شيبان!
فلما قال هذا كرهت الموت، وهبته هيبة شديدة، وقلت: إن لي إليك حاجة. قال: وماهي؟ قلت: أكون لك صاحباً، ورضيت بذلك يا أمير المؤمنين!قال: لست من أصحابي. فكان ذلك والله أشد على وأعظم مما صنع.فلم أزل اطلب إليه حتى قال: ويحك! وهل تدري أين أريد؟ قلت: لا.
قال: أريد الموت عياناً. فقلت: رضيت بالموت معك. فقال: امض بنا، فسرنا جميع يومنا وليتنا حتى جننا الليل، وذهب شطره...فوردنا على حي من أحياء العرب، فقال لي: ياعمرو، في هذا الحي الموت.ثم أوما إلى قبة من الحي، فقال: وفي تلك القبة الموت الأحمر، فإما أن تمسك على فرسي، فأنزل، فآتي بحاجتي، واما ان أمسك عليك فرسك، فتنزل فتأتي بحاجتي فقلت: لا، بل انزل أنت، فأنت أعرف بموضع حاجتك، فرمى إلى بعنان الفرس ونزل، فرضيت لنفسي يا أمير المؤمنين أن أكون له سائساً....ثم مضى حتى دخل القبة، فاستخرج منها جارية، لم تر عيناي قط مثلها حسنا وجمالاً، فحملها على ناقة، ثم قال: ياعمر. قلت: لبيك! قال: عليك بزمام الناقة.
وسرنا بين يديه، وهو خلفنا حتى اصبحنا، فقال لي. ياعمرو. قلت: لبيك! ما تشاء؟ قال: التفت، فانظر هل ترى احداً؟ فالتفت، وقلت: أرى جمالاً، قال: اغذ السير، ثم قال لي: ياعمر، قلت: لبيك! قال: انظر، فإن كان القوم قليلاً، فالجليد والقوة والموت. وإن كانوا كثيراً فليسوا بشيء. فالتفت، فقلت: هم أربعة أو خمسة. قال: أغِذَّ السير، و سمع وقع الخيل، فقال لي: ياعمرو،قلت: لبيك! قال: كن على يمين الطريق وقف، وحول وجوه دوابنا الى الطريق، ففعلت، ووقفت على يمين الراحلة ووقف هو عن يسارها.
ودنا القوم منا، فإذا هم ثلاثة نفر فيهم شيخ، وهو أبو الجارية وأخواها وهما غلامان شابان، فسلموا فرددنا السلام، ووقفوا عن يسار الطريق.
فقال الشيخ: خل عن الجارية يابن أخي، فقال: ما كنت لاخليها، ولا لهذا اخذتها! فقال لأصغر ابنيه: اخرج إليه، فخرج وهو يجر رمحه، وحمل عليه الحارث، وهو يقول:
من دون ماتر جوه خضب الذابل
من فارس مستلئم مقاتل
ينمي الى شيبان خير وائل
ما كان سيري نحوها بباطل!
ثم شدَّ عليه، فطعنه طعنة، دق منها صلبه، فسقط ميتاً.
فقال الشيخ لابنه الأخر: اخرج إليه يابني، فلا خير في الحياة على الذل، فخرج إليه وأقبل الحارث يقول:
لقد رأيت كيف كانت طعنتي!
والطعن للقرن الشديد همتي
والموت خير من فراق خلتي
فقتلتي اليوم ولا مذلتي
ثم شدَّ عليه، فطعنه طعنة، سقط منها ميتاً.
فقال له الشيخ: خل عن الظعينة يابن اخي، فإني لست كمن رأيت، قال:
ماكنت لأخليها ولا لهذا قصدت. فقال له الشيخ: اختر يابن أخي، فإن شئت طاردتك، وان شئت نازلتك، فاغتنمها الفتى ونزل. ونزل الشيخ، وهو يقول:
ما أرتجى بعد فناء عمري؟
سأجعل السنين مثل الشهر
شيخ يحامي دون بيض الخدر
إن استباح البيض قصم الظهر
سوف ترى كيف يكون صبري
فأقبل الحارث، وهو يقول:
بعد ارتحالي وطويل سفري
وقد ظفرت وشفيت صدري
والموت خير من لباس الغدر
والعار أهديه لحي بكر
ثم دنا، فقال له الشيخ: يابن اخي ان شئت نازلتك، وإن بقيت فيك قوة ضربتني، وان شئت فاضربني، فإن بقيت في قوة ضربتك.
فلما نظر الشيخ أنه قد أهوى به إلى رأسه، ضرب بطنه فقتله ،ووقعت ضربة الحارث في رأسه، فسقطا ميتين.
فأخذت يا أمير المؤمنين أربعة أفراس، وأربعة اسياف. ثم اقبلت إلى الناقة فعقدت اعنه الأفراس بعضها إلى بعض وجعلت أقودها. فقالت الجارية: ياعمرو، إلى أين؟ ولست لي بصاحب، ولست كمن رأيت، ولو كنت صاحبي لسلكت سبيلهم! فقلت: اسكتي، قالت: فإن كنتب صادقاً فأعطني سيفاً ورمحاً، فإن غلبتني فأنا لك، وإن غلبتك قتلتك.
فقلت لها: ما أنا بمعطيك ذلك، وقد عرفت أصلك، وجرأة قومك وشجاعتهم، فرمت بنفسها عن البعير، وهي تقول:
أبعد ما شيخي وبعد اخوتي
اطلب عيشاً بعدهم في لذة؟
هل لا تكون قبل ذا منيني؟
وأهوت إلى الرمح، فكادت تننزعه من يدي. فلما رأيت ذلك خفت ان هي ظفرت بي ان تقتلني، فقتلتها.


وتقبل تحياتي
[/size][/size][/size]
 
أعلى