المحاور الاستراتيجية ” البقع الساخنة” عالميا ..؟!
الاستراتيجية البريطانية لها باع طويل على المسرح العالمي , ذكية، وشريرة في افتعال الحوادث والازمات الاستراتيجية على مرالتاريخ، والتباكي خبثا على حقوق الشعوب، والطوائف، والديمقراطيات، لتحقيق أجندتها في ديمومة هيمنتها العالمية، للمزيد عن التاريخ البريطاني يرجى الاطلاع على البحث السابق على الرابط التالي
http://www.ankawa.com/forum/index.php?topic=543320.msg5402701#msg
لقد تمكنت المؤسسة البريطانية عالميا وبنجاح ،في اختلاق ” قنابل موقوتة “، غايتها الحقيقية ليست كما يطبل وينافق لها الاعلام الغربي، بل بمثابة العد التنازلي للمواجهة مع روسيا، والصين وحلفائهما ،وليس مستبعدا بروز محاور اضافية للالتفاف حول العقبات الطارئة ” أفريقيا وامريكا اللاتينية” ولكن الابرز حاليا هي كالتالي :
اولا: نظام الدرع الصاروخي الاوربي ” Anti – Ballistic Missile – ABM ” :
وقفت روسيا خلال الاعوام الماضية بشدة ،ضد فكرة انشاء مثل هذا النظام من قبل الناتو، لأن موسكو ستكون على بعد 3 دقائق فقط من تلك الصواريخ ،واقترحت روسيا عوضا عن ذلك نظام دفاع عن الارض Earth Defence System –EDS وبمشاركة روسيا ،والصين ،والغرب، ودول اخرى لمنع خطر اندلاع اي مواجهة نووية مستقبلا ضمن التوازن الاستراتيجي العالمي،او اي تهديد من قبل الدول المارقة (!؟)،اضافة لمواجهة الاخطار التي تحيق بكوكب الارض من تهديد الاجسام القادمة من الفضاء الخارجي كالنيازك، والشهب،ولكن تم رفض المقترح الروسي، والتحجج الرسمي من قبل دول الناتو في المضي قدما ،من ان نصب الدرع الصاروخي الاوربي هو لمواجهة ايران وصواريخها، بينما الخبراء الروس يعلمون بأن الغاية هو للاحاطة بروسيا، والصين ،ونزع قدرتهما على الرد على اي هجوم استراتيجي غربي مستقبلا.
بتاريخ 26 مارس الماضي واثناء انعقاد قمة الامن النووي في سيئول، وجه اوباما دعوة لكل من استراليا، واليابان ،وكوريا الجنوبية ،لإنشاء نظام درع صاروخي مماثل في منطقة المحيط الهادي، الرد الصيني جاء على لسان الرئيس الصيني في الخطاب المتلفز والموجه لشعبه ” بالتهيؤ للحرب” ، لأن غاية الدرع الصاروخي هو الصين وليس بعبع كوريا الشمالية.
مع اقتراب موعد تشغيل الدرع الصاروخي الاوربي المفترض الاعلان عنه في مؤتمر دول الناتو يوم 20 مايو المنعقد في شيكاغو ،قامت القيادة الروسية في توجيه تحذير غير معتاد ،في مؤتمر عقد في روسيا يوم 3 مايو الحالي على لسان قائد الاركان الروسي الجنرال نيكولاي ماكاروف ،بأن روسيا تحتفظ بحق الرد ،وفي ضربة استباقية، لأنه ينتهك مبدأ التوازن الاستراتيجي الذي منع اندلاع حربا نووية، حتى في احلك الفترات من الحرب الباردة بين الغرب والشرق ،كما كان الحال في أزمة الصواريخ الكوبية عام 1963 ، وجاء التأكيد الروسي، وعلى اعلى المستويات بأنهم ليسوا بصدد التهاون مع مثل هذا التهديد السيادي على لسان الرئيس الروسي المنتخب بوتين بتاريخ 9 مايو، وذلك في المحادثة الهاتفية مع اوباما ،مبلغا اياه انه الغي اللقاء الثنائي المرتقب بينهما ،اضافة لعدم حضوره لقمة الدول الثمان G-8 المنعقد بتاريخ 18-19 مايو الحالي، اما التحذير الاكثر خطورة ، فقد جاء قبل يومين من حضوره القمة المرتقبة اعلاه، وعلى لسان رئيس الوزراء الروسي ديمتري ميدفيديف في منتدى القانون الدولي في مدينة سان بطرسبيرغ، من ان اي عدوان، او تدخل عسكري ضد دولة ذات سيادة مشيراً بذلك الى ايران ،سوريا، وكوريا الشمالية ومن دون تخويل من قبل مجلس الأمن سيؤدي الى نشوب صراع عالمي مؤديا الى استخدام السلاح النووي! من يعرف التاريخ الروسي سيعلم من انهم ليسوا بوارد التسليم للعبة البريطانية اليوم ،علماً ان أي تصعيد بين روسيا والغرب ،او اي ضربة ضد ايران ،او سوريا ،فأن روسيا ستلجأ الى تدمير الدرع الصاروخي الاوربي في ضربة استباقية وحرب عالمية.
ثانيا: إذا ما تمكنت الجهود الدولية في تحجيم التصعيد ضد سوريا عن طريق رفض اي تخويل من الامم المتحدة او مجلس الامن وكما جرى حتى الآن من محاولة تسوية النزاع سلميا ومنع التدخل العسكري الدولي او التركي ” الناتو” فحينها ليس مستبعدا إستخدام الزناد الاسرائيلي ” نتنياهو” لضرب ايران والتلميح الاخير من قبل السفير الامريكي لدى اسرائيل ” دان شابيرو ــ Dan Shapiro “ في تصريحه لاذاعة الجيش الاسرائيلي بتاريخ 17 مايو يصب في هذا الاتجاه ” إن لدى البنتاغون خطة جاهزة لضرب ايران “، وكما فعلوا مع صدام حسين، فأن الغرب لن يكتفي بأي تنازلات او تسويات او أفعال من قبل سوريا وايران، لأن أجندتها الخاصة تتجاوز المعلن عنها؟.
ان اي هجوم على ايران او سوريا هدفه إشعال منطقة الشرق الاوسط برمتها وخلق وضع استراتيجي لصراع عالمي تنجر اليه روسيا وحلفائها والدول الغربية مع الدول الدائرة في فلكها، علما أنه لولا معارضة رئيس هيئة الاركان الامريكية المشتركة الجنرال ” مارتن ديمبسي” لكانت الحرب ضد ايران وسوريا قد اندلعت مباشرة بعد الانتهاء من ليبيا؟ ولولا المعارضة الشديدة في مجلس الامن من قبل روسيا والصين لما كانت المؤسسة العسكرية الامريكية اتخذت ذلك الموقف اقله لحد الان! ، لايخفي على المتابع بأن ما نراه مؤخرا من التصعيد الاعلامي والنفاق السياسي ووصف رؤساء الدول بالدكتاتوريين واشرار في محاولة تأجيج الرأي العام وخداع الشعوب للرضوخ لأهدافهم والتدخل بحجج ” الازمات الانسانية” والملاحظ حاليا تعرض الرئيس الروسي لحملة شرسة ووصفه في الاعلام الغربي كدكتاتور ! بل ذهبت الاذاعة الاسترالية أ ب س ابعد من هذا بوصفه هتلر روسيا ؟ هذا كله من ادوات الاعلام الغربي العولمي ويطلق عليها ب ” Social Engineering ” هندسة اجتماعية مجتمعية لخلق الاحتقان الشعبي وفقدان التوازن في تحكيم العقل والمنطق والتسليم بالامر الواقع! ومن ثم الفوضى، من منكم لا يتذكر التصريحات النارية التي اطلقها رئيس الوزراء البريطاني ” توني بلير” ومازال ، أبان التصعيد الاعلامي ، السياسي قبل احتلال العراق وتأكيده في اروقة مجلس الامن بأن العراق لديه امكانية ضرب اوربا بصواريخ محملة باسلحة محرمة خلال 45 دقيقة ! وما زالوا يبحثون عن تلك الاشباح الى اليوم !؟ وما يجرى في سوريا هو فضح الدور المخفي لما يعرفه العالم في السنوات الاخيرة عن تنظيم ” القاعدة” وحقيقتها معروف لأغلب الدوائر الامنية العالمية من انها واجهة تديرها المخابرات الغربية والا ما المعنى من التعاون بين عناصر المخابرات وعناصر القوات الخاصة لتلك الدول وبين عناصر القاعدة في تدريب المقاتلين المعارضين لنظام الاسد داخل الاراضي السورية وقيامها بالعمليات الخاصة ضد الاهداف السورية؟! الغريب ؛ هو التواجد الفوري لعناصر القاعدة في اي بقعة تستهدفها المخططات الغربية كما الحال مع العراق، وتم الصاق كل الشرور التي نفذتها عناصر شركة ” بلاك ووترز” وادواتها المحلية من عمليات قتل المعارضين والابرياء لجر البلد الى الفتن الطائفية والقومية والترهيب السياسي والشعبي بشماعة القاعدة؟
دواعي الحرب من وجهة النظر البريطانية:
- الانهيار الوشيك للنظام النقدي البريطاني ، وما يهم الجانب البريطاني هو عدم السماح لبروز قوى اقتصادية اخرى على المسرح العالمي ، والمقصود بذلك آسيا ،و مجموعة ما يسمى بالبريكس التي تمثل نسبة 40% من مجموع سكان العالم : البرازيل، وروسيا ،والهند ،والصين، وجنوب افريقيا، ودعوتهم الى انشاء بنك تنمية جديد عوضا عن البنك النقدي الدولي والعودة الى الاقتصاد السيادي وليس سيطرة المؤسسات المالية الخاصة .
- العقبة الوحيدة المتبقية لهذه الهيمنة: هي روسيا، والصين بالدرجة الاولى ، وهذه الدول ليست بوارد الاستسلام للاجراءات التي ادت الى انهيار الاقتصاد الغربي، او التنازل عن سيادتها الوطنية، لمصلحة نظام عالمي بقطب واحد تديره المؤسسة البريطانية ،منّ لا يتذكر محاولات بنك النقد الدولي في خصخصة الاقتصاد الروسي، بعد سقوط الاتحاد السوفيتي في عهد بوريس يلتسين في التسعينات، لغرض تجريد روسيا من قوتها الآقتصادية، ورأينا كم من البارونات الاقتصادية الروسية هربت الى الغرب ،او انتهت الى السجون في ما بعد تسلم بوتين السلطة.
- الرضوخ ، وتبني سياسة العودة الى ما قبل العصر الصناعي، حماية البيئة ، لتحقيق الهدف الذي صرح به الامير فيلبس زوج الملكة اليزابيث عام 1988 م، من أن عدد سكان العالم يجب ان لا يتجاوز المليار نسمة.
- أن تقوم آسيا بضخ السيولة في المصارف الغربية، من أجل انقاذ نظامهم المصرفي ،بعدما افلس النظام المالي الغربي ،تحت وطأة محاولات انقاذ جبال من الديون الهائلة ” المضاربات” لتلك المصارف في العقدين الاخيرين.
الحل:
حاليا ; هناك صراع محموم لمعارضي شن اي حرب ضد ايرن ،وسوريا، والمتمثلة بالمؤسسة العسكرية، والاستخبارية ،لكل من الولايات المتحدة الامريكية، والاسرائيلية، والمؤسسات المشابهة في حلف الناتو، وبين دعاة شن هذه الحرب ،والمتمثلة بالقيادات السياسية في اغلب الدول الغربية ،الغريب في الامر هو سير القادة السياسيون عكس توصيات وتحذيرات اكبر المؤسسات ذات الاهمية في الدولة وهي المؤسسة العسكرية ؟.
بالرغم من الظروف أعلاه، والتي قد تبدو مقلقة ،وخطيرة ،لكن علينا معرفة انه ليست هناك امور ثابتة في الكون، بل ديناميكية متغيرة، وهناك تطورات تجري من وراء الكواليس ،وهناك مؤسسات وطنية في الغرب بدأت بالتحرك والتنبه للمخطط البريطاني ،ونأمل ان يكون ذلك قبل فوات الاوان ، هذا لا يعني البتة حتمية وقوع حربا نووية عالمية ،ولكن النية قائمة، والدوافع لمثل هذه الحرب ملحة ،والاسباب في المنظور البريطاني مصيرية، طبعا بريطانيا لن تألوا جهدا في منع الحلول الوطنية والحقيقية، من يعرف السياسية البريطانية تاريخيا سيدرك بأنهم لا يتهاونون في فعل اي شىء ،اذا كانت سلطتهم مهددة.
افكار ومقاييس الامس لن تنفع ليست لآنها سيئة، بل لأن حاجتها انتفت في زمن الحدود القصوى لنظام معين، او سياسة معينة، علينا اللحاق بواقع مستجد بما يناسب و ضخامة الاحداث ،كما هو الحال في حقب الوثبات التاريخية المميزة ،في خيار الارتقاء او الانهيار في الحضارة البشرية.
سياسيا: بداية الحلول “حجر الزاوية ” والاكثر الحاحاالآن هو وجوب تحييد اوباما وان تطلب الامر مسألته ومحاكمته قانونيا بموجب المادة الخامسة والعشرون من الدستور الامريكي ، انتهاك صلاحياته في اعلان الحرب، كما حصل مع ليبيا من دون موافقة الكونغرس ،ولقد بدأت هذه الخطوة في الانطلاق قبل اسابيع ،عندما قدم عضو الكونغرس ولتر جونز Walter Jones مشروع القرار رقم 107 ،محذرا اوباما من انه سيبدأ ملاحقته قانونيا في حال اعلانه حرب ضد اي دولة من دون الرجوع الى الكونغرس إضافة الى التحذير الذي اصدره السناتور الديمقراطي ” جم ويب Jim Webb ” يوم 10 مايو من انه ليس مسموحا لشخص واحد ” الرئيس ” بعد الآن اعطاء الاوامر بالتدخل عسكريا في شؤون اي بلد بحجة ” الازمات الانسانية humanitarian intervention” ، ولكن الخطورة واردة جدا مع بقاء ” اوباما” في البيت الابيض بصلاحياته الحالية كالقائد العام للقوات الامريكية في نشوب صراع عالمي مستقبلا!.
إقتصاديا: هناك تصاعد في الدعوات الصادرة مؤخرا من لدن المؤسسات المالية والرسمية دوليا داعية الى تبني الحل الذي عرضه الاقتصادي الفيزيائي ” ليندون لاروش” قبل اربع سنوات والبدء في امرار قانون “جلاس ستيجال” بصيغته الاصلية كما جرى في عام 1933 ” من دون الالتفاف والتحوير عليه ” وكلما اشتدت العاصفة المالية كلما اصبحت الحلول الحقيقية اكثر الحاحا ومن ضمنها:
احلال النظام الائتماني ” Credit System ” محل النظام النقدي ” Monetary System ” لأجل خلق إئتمانات حكومية ضخمة للبنية التحتية لحث الانتاج الصناعي، والزراعي ،وخلق فرص العمل ،وزيادة الفائض الانتاجي الفعلي ،لجلب الاستقرار للجانب النقدي ، تمرير قانون جلاس ستيجال مبدئيا ، والذي سيتكفل بفصل المصارف التجارية الحقيقية عن المصارف الاستثمارية المتعاملة بالمضاربات ،ووضع كل المصارف التجارية تحت الحماية ( إعادة تنظيم تحت الافلاس) ومن ثم اعادة جدولة، او الغاء اغلب الديون المترتبة نتيجة المضاربات في السنوات الماضية ، اسعار ثابتة لتبادل العملات على اساس احتياط الذهب ، نقض كل ما تمخض من سياسات الخصخصة، ” تأميم” الموارد الطبيعة كما فعلت روسيا وما ِتفعله الارجنتين اليوم و نقض كل القيود الاقتصادية بحجج حماية البيئة ،مع حزمة اخرى من الحلول مذكورة في البحوث السابقة .
ختاما…
لماذا التغريد خارج السرب…؟!
سألني البعض ومنذ اكثر من 5 سنوات، ولا زلت احيانا اتلقى السؤال التالي : لماذا التغريد خارج السرب ؟ولماذا التشاؤم، والتضخيم للامور من قبل مؤسستكم في طرح الامور بصورة تعاكس اغلب التصريحات الرسمية والاعلامية والثقافية ؟ اود التذكير بالمقولة التالية لأبراهام لنكولن: “تستطيع خدع كل الناس لبعض الوقت ،وأن تخدع بعض الناس كل الوقت ، ولكنك لا تستطيع خداع كل الناس كل الوقت”.
في أزمنة العمل كالمعتاد ــ Business as usual ، يلجأ البعض الى وسيلة الانكار ضمن المعطيات المحيطة ،خوفا من الاقرار بما يعارض الرغبة النفسية ،او الرغبة في سماع ما هو خلاف المفهوم الشائع، لا تنقل لي الاخبار السيئة، او مجرد التمني بأن الامور ستكون على ما يرام، وسيلة الانكار هي عامل انساني وارد في زمن الهروب للامام عوضا عن مواجهة الاستحقاقات الصعبة، وان الامر لا يعدو كونه تهويلا ، لمجرد أن الاثباتات لم تهبط تلقائيا، ولذا فأن الامر غير مثّبت ، ويتحجج صاحبنا بأنه لم يرى اي اثباتات ! علما انه لا يحرك ساكنا في معاينة الحقائق التي تخالف مفهومه. يقينا إن اهمال المعاينة وتفحص الامور ، لا يعني بأن الحقيقة ليست كائنة ،نعم ; وكحال كل شيء غامض في الوجود ،يتطلب معرفته ،والالمام به، وبالذات ما جرى في العقود الاربع الاخيرة، جهدا، ومهنية، ومتابعة ، لا تصدق ان تلك المعرفة ستأتيك من قراءة الصحف، او تصفح مواقع الانترنيت ،او مجرد التمني، هناك خفايا لمجريات الامور التي تبدوا عادة في عالم التسويق، والانترنيت، والصخب الاعلامي امام اعيننا طبيعية جدا وثقتنا بأن حكوماتنا تقوم بما يلزم للصالح العام؟ في عالم يصبح اكثر تعقيدا نتيجة فجوة الاجيال والعلوم التقنية ،و حكومات المصالح Corporate States ،سياسيين ومستشاريين امتهنوا السفسطة، المغالطة Sophistry، أذكياء في فنون التضليل ،والتهويل، والخداع لتحقيق أجندة غير معلنة ،واصبحت كلمة الديمقراطية اليوم رديف للسير مع التيار السائد ، المصقل بثقافة الاعلام الرسمي ” المفهوم السائد Popular Opinion “، واحزاب سياسية، واقع امرها المراوغة، والكذب على اعلى المستويات، والوعود الفارغة.
قد يتسأل البعض عن سبب التغيير الحاصل سلبيا في ثقافة اليوم، احيانا نشكوا بأن حتى صلات القرابة والتعاملات ليست كما عهدناها ! بل هناك تباعد وبرودة في تلك الاحاسيس التي حكمتها دوافع نبيلة فوق المصالح والماديات، هذا لم يأتي اعتباطا بل هناك أجندة غايتها انتاج ثقافة جديدة في النظم التعليمية والثقافية والاجتماعية خلال العقود القليلة الماضية في ظل الثقافة الاستهلاكية المهيمنة ضمن عصر العولمة الاقتصادية تم تمريرها بمهنية عالية؟ قيّم لا تمت للمباديء التقليدية بشىء، بل تسعى لتحطيم الجيل الناشىء ،كما فعلوا مع جيل الخمسينات “Baby boomer generation ” الذي يتربع اليوم على قمة الادوار القيادية في المؤسسات الحاكمة من خلال أدوات ” الثورة الثقافية المضادة ــ Counter culture Revolution ــــ الثقافة الاستهلاكية وموسيقى الروك، والجنس، والمخدرات ” ، واليوم في عصر ثورة الانترنيت اضيفت أساليب منها الاعلام المستهدف والشبكة العنكبوتية ” cyber warfare ” بتفرعاتها من التطبيقات المختلفة، وتبني نظام تعليمي غايته كسب المعلومات وليس المعرفة الحقيقية، من ينكر بأن الهم الاكبر في زمن العولمة ; هو الثقافة الاستهلاكية ، ودفع الديون التي تتراكم صعودا، لتجعل سنون الحياة المعدودة عبودية للإقطاعية المالية ، صراع مستمر، لأننا نعيش عصرا وواقعا يفرض سلطانه من الانهماك بالمسؤوليات لدرجة السباحة مع التيار السائد المسّير من قبل المؤسسة الحاكمة، فهل من الغرابة الاقرار بأن فرصة معرفة جوهر الحقيقة بين أطنان متراكمة من الهموم والتنميق السياسي، والتضليل الإعلامي ، تصبح صعبة المنال ؟! التاريخ يعيد نفسه في كل حقبة زمنية قصيرة، ويستمر الانسان بدور الجلاد والضحية، العيب ليس حصرا في القيادات، بل في المجتمع الذي سمح لهذا الفساد في الاستشراء، وتستمر النكبات والويلات عسرا ويسرا، حتى يرتقي الانسان لنبل خصاله وفطرته الحقيقة وكما ارادها الخالق .