المطرود
عضو نشط
- التسجيل
- 22 أغسطس 2004
- المشاركات
- 2,588
العدد 12054 - 23/12/2006 أجرى الحوار: مارون بدران
بقدر ما كان صعبا وضع اسئلة لاميركي حامل جائزة نوبل للاقتصاد، بقدر ما كانت الاجوبة سهلة وبسيطة. فعندما يمتزج العلم الجامعي بالاقتصاد المعاصر والواقع الحياتي بفلسفة التطبيق، فتسمى الخلطة 'غاري بيكر'. يكفي ان بيكر هو تلميذ اقتصادي القرن العشرين وواضع فلسفة 'الاسواق الحرة' ميلتون فريدمان وهو يعمل في الوقت الحالي استاذا محاضرا في جامعة شيكاغو، حتى يكون اللقاء مع 'موسوعة فكرية' اكثر منه مع اقتصادي. ويكفي ان تبحث عن Gary Becker على 'غوغل' لتدرك انه اكثر من باحث، انه مجموعة دراسات. الف اكثر من 50 كتابا ومنشورة ووضع نظريات في علم الاقتصاد 'قلبت مجتمعات رأسا على عقب'، والقى محاضرات واعد ابحاثا 'على عدد الشعر الذي في رؤوسنا'. 'القبس' استغلت زيارة بيكر للكويت الاسبوع الماضي، لتنهل 'ولو القليل' من احد روافد علم الاقتصاد الحديث، وكان اللقاء التالي:
يطالب عدد من النواب الكويتيين باسقاط قروض عن المواطنين، ما قد يكلف الدولة اكثر من 7 مليارات دولار، ما رأيك؟
- بشكل عام، لا اؤمن باسقاط القروض. فالاشخاص الذين استدانوا من القطاعين الخاص والعام عليهم ان يدفعوا اقساطهم. لذا لا اشجع الحكومة الكويتية او اي حكومة على دفع القروض عن المواطنين. ومن يطالب باسقاطها عليه ان يتراجع عن ذلك، فالاقتصاد، بشكل عام، لا يحتمل جنونا في توزيع الثروات.
الحكومة والقطاع الخاص
الغت الحكومة الكويتية عددا من عقود الb.o.t مع شركات خاصة بسبب مخالفات للقانون. ويعتبر القطاع الخاص هذا الاجراء مناقضا لتوجه الحكومة في تشجيع القطاع الخاص. ما تعليقكم على هذا الحدث؟
- لا اعرف ما تفاصيل هذه القضية. لكن في الاجمال، اعتقد ان على الحكومة ان تكون حذرة في تعاطيها مع القطاع الخاص. فهذا القطاع يبحث دائما عن الارباح. وهو قد يتخطى بعض القواعد في سبيل تحقيق هدفه. وعلى الحكومة في الاساس ان تضع بنية تحتية للشركات الخاصة، ومن ثم لا تتدخل في كل التفاصيل مثل تمويل المشاريع وغيرها. وهي غير مطالبة بمساعدة القطاع الخاص حتى: لتضع القوانين وكيفية الرقابة وتدعه وشأنه. فبعد انشاء البنية التحتية ووضع التنظيم، على القطاع الخاص تحديد ما هو مربح له وما هو غير مربح في اختياره المشاريع.
امنت اسعار النفط سيولة مرتفعة لدول مجلس التعاون الخليجي. بما تنصحون حكومات هذه الدول، ومنها الكويت، لاستغلال هذه الاموال واستثمارها؟
- من الواضح ان هناك طفرة اقتصادية كبيرة يشهدها الخليج وخصوصا الكويت بفضل اسعار النفط المرتفعة. واعتقد ان هناك نصيحة اساسية اوصيها لدول المنطقة: استثمار اغلب هذه السيولة وعدم ادخارها. فليس من الضروري ان تدخر الحكومة بل يمكن توزيعه على المواطنين ومن ثم هم واولادهم يدخرونه. اعتقد ان الحكومة الكويتية تعرف ان الادخار ليس الوسيلة الافضل للحفاظ على الوفرة المالية بل هو باستثمار هذه السيولة بشكل متنوع في مناطق مختلفة في العالم في الاسواق المالية وفي المشاريع والصناديق بعيدا عن المخاطر. ويجب تشجيع المواطنين للاعتماد على انفسهم اكثر، قبل الحرص على توزيع الثروة، والا فسيصبح المجتمع خاملا.
تعتبر الحكومات في الخليج اقوى من شركات القطاع الخاص. هل تعتقد ان ذلك صحي؟
- لا، الوضع هنا ليس صحيا ان افضل الاقتصادات في العالم هي التي تتمتع بقطاع خاص قوي. على الحكومة طبعا ان تفعل الكثير من الاشياء تساعد التنظيم مثل التعليم والبنية التحتية من طرقات ومواصلات والامن الداخلي والخارجي. لكن في الاقتصاد، كلما كان القطاع الخاص قويا، كان الاقتصاد الوطني اقوى.
اسواق المال والاستثمار
شهدت البورصات الخليجية في 2006 حركة تصحيحية طويلة، لم تنته في بعض الدول حتى اليوم. ما نصائحكم لادارات اسواق المال في المنطقة حتى يتفادوا حركات الصعود والهبوط القوية؟
- صعب جدا ان تفعل ذلك. لا احد في العالم يستطيع ان يفعل ذلك. اسواق المال تصعد وتهبط حسب توقعات الناس واستثماراتهم. وانا افهم مرور اسواق الاسهم بمرحلة تصحيح، لان القيمة السوقية تكون اعلى من القيمة الواقعية العادلة. واظن انه ليس هناك طريقة لتفادي البورصات حركات التصحيح. وافضل حل او ضبط لهذه المسالة هو وضع الحكومة قانونا للحوكمة وتشجيع الشفافية، ليعرف المتداولون ما هي قدرات ومشاريع شركاتهم واختيار الاستثمار الانسب لهم، وعدم تشويه الصورة بالاكاذيب والمشاريع الوهمية. وحدها الحكومة تستطيع المساعدة في هذا السياق. وهذه النصيحة الوحيدة التي اوصي بها.
وما نصائحكم لرجال الاعمال والشركات العربية والخليجية لاستثمار اموالهم في سنة 2007؟
- على اصحاب رؤوس الاموال البحث عن الاماكن التي تتمتع باسرع نمو اقتصادي في العالم مثل الصين والهند. يوجد فيهما مخاطر كثيرة لكن امكانات هذين الاقتصادين عظيمة جدا. واعتقد ان امكانات الولايات المتحدة لا تزال جيدة جدا وتتمتع باقتصاد قوي. هناك اداء دول اوروبية قوي مثل اقتصاد بريطانيا، كما تجد فرصا مختلفة في المكسيك ودول اميركا الجنوبية، كذلك في اليابان.
لكن في اي قطاعات تنصح للاستثمار في هذه الدول؟
- القطاعات تختلف من بلد الى اخر. في الولايات المتحدة، قطاع المعلوماتية والتكنولوجيا قوي جدا. واذا انتقلت الى الصين، تجد انه لا يزال بلدا كادحا والقطاعات الصناعية هي الانجح. اما في المانيا، فقطاع التصدير والاليات هو الابرز. وعلى المستثمرين والشركات تنويع استثماراتهم بين هذه القطاعات كلها للحفاظ على معدل مخاطر مناسب لأرباح مزدهرة.
اقتصاد الصين
توقع بعض الخبراء ان تملك الصين اقوى اقتصاد في العالم سنة 2025 .. هل تظنون انها ستتخطى اقتصاد الولايات المتحدة الاميركية؟
- منذ 20 عاما، توقع خبراء ان تصبح اليابان اقوى اقتصاد في العالم، وهذا لم يحصل. فمن الصعب تحديد ذلك: عندما تكون دولة فقيرة كالصين وتنمو بهذه السرعة، يظن الناس انها ستسبق بقية الدول، لكنها لن تستطيع المحافظة على هذا المعدل في النمو لفترة طويلة. ومن الممكن ان تصبح الصين اقوى اقتصاد في العالم وممكن ان تظل الولايات المتحدة ايضا الاقوى لانها دولة مبتكرة ومبدعة. ولست مقتنعا ان تتربع الصين على هذا العرش. انه محتمل ولكن لو كنت مستثمرا لما وضعت كل اموالي في الصين.
هل تظنون ان الاستثمار في جنوب شرق آسيا بعيد عن المخاطر؟
- كلا على الاطلاق. فهناك اعمال انهارت بالكامل في هذه الدول لانهم لم يخططوا جيدا، كما ان التنظيم لا يزال صعبا. ان العوائد المرتفعة ترتبط دائما بالمخاطر المرتفعة. ولتفادي المخاطر لا اظن ان افضل استثمار هو في دول جنوب شرق آسيا او الهند.
مستقبل الدولار والتضخم
ما هو توقعكم لمستقبل الدولار بمواجهة اليورو؟
- ان وضع الدولار صعب. لا اعرف كيف يرصدون تحركات العملات. لكن الدولار ممكن ان يستمر في الهبوط خصوصا مع تحويل احتياطيات بعض الدول العربية والصين. فجميع الدول الغنية التي تملك احتياطيات بالدولار قررت تحويل بعضها الى اليورو، وهذا سيساعد في هبوط الدولار. ومستقبل الدولار غير مؤكد لكن الدول لا تزال تتعامل، وكأن الدولار هو العملة الاكثر ضمانا. فاقتصاد الولايات المتحدة مستقر وصلب. واذا هبط الاقتصاد الاميركي هبطت العملة الخضراء معه، واذا حصلت طفرة اقتصادية في الولايات المتحدة سيحافظ الدولار على مكاسبه واستقرار سعره. وهذا اهم شيء في المسالة.
كيف تصنفون موجة التضخم في العالم؟
- لا يزال معدل التضخم في العالم منخفضا جدا. ففي الولايات المتحدة واوروبا، اي الاقتصادات القيادية في العالم، لا يزال هذا المعدل يدور حول 2 في المائة. اما في اليابان فهذا المعدل صفر. اذا، لا داعي للخوف من التضخم . قد ترتفع الاسعار بشكل سريع بنسبة 2 الى 4 في المائة، لكن البنوك المركزية ستكون معنية بهذه القضية، وتحاول ان تحافظ على المعدل بين 2 وصفر في المائة. لكن ليس هناك تضخم بما تعنيه الكلمة في الاقتصاد العالمي. والمعدلات الحالية مناسبة ومحتملة جدا.
النمو العالمي
هل تعتبرون ان اسعار النفط المرتفعة تؤثر في النمو العالمي؟
- صحيح. ان اسعار النفط المرتفعة تضر خصوصا بالدول المستوردة للنفط اكثر من الدول المنتجة. لكن هذه الاسعار اضرت، بشكل اخف، بالدول المتطورة مثل الولايات المتحدة واوروبا واليابان، لانها لم تعد تعتمد على النفط كمصدر اساسي للطاقة. والاسعار لم تؤثر حاليا في الاقتصاد العالمي كما اثرت في عامي 1980 و1981 خلال الحرب العراقية الايرانية. واذا نظرت الى اقتصاد الولايات المتحدة فالنمو لم يتباطأ في العامين الاخيرين على الرغم من ارتفاع الاسعار. وهناك الكثير من الصناعات تضررت مثل قطاع الطيران لكن الاقتصاد العالمي بشكل عام لم يتأثر سلبا بشكل ملفت. اذ ان الدول المتطورة اصبحت تعتمد اقل على النفط كمصدر للطاقة، لذا علينا النظر الى الدول النامية مثل الصين والهند لانهم بحاجة الى النفط لتطوير اقتصادياتهم وهذه هي الاسواق المستقبلية المهمة للنفط. وتحاول دول العالم اختراع وسائل كثيرة للطاقة للاستغناء عن النفط، ما سيؤثر بشكل سلبي كبير في الدول المنتجة. هذا لم يحصل بشكل كبير حتى الان، لكن هذا محتمل في المستقبل القريب.
تلميذ ميلتون فريدمان
فاز غاري بيكر بجائزة نوبل للاقتصاد عام 1992 وهو لا يزال يحاضر في جامعة شيكاغو في الولايات المتحدة الاميركية كاستاذ في مادة الاقتصاد والاجتماع. عرف كخبير في 'اقتصاد العائلة' و'اقتصاد الظل' ( اي الجرائم المالية). تمحورت دراساته حول استخدام رأس المال والنمو الاقتصادي والاسواق الحرة. حصد جوائز وميداليات عدة منها ميدالية العلوم الوطنية عام 2000 عن دوره في تطوير السياسة الاجتماعية. نشر مقالات عدة في مجلة 'بيزنس ويك' ولديه مؤلفات كثيرة. يذكر انه تلميذ ميلتون فريدمان، واضع نظرية الاسواق الحرة الذي توفي منذ شهر تقريبا، وولد بيكر في بنسلفانيا عام 1930 .
الاندماج والخوف من المنافسة
تسأل غاري بيكر عن رأيه في موجات الاندماج بين الشركات العملاقة فيقول: 'ان الاقتصاد اليوم عالمي، ما يعني توسع التنافس بين الشركات العالمية. وهناك تنافس بين البنوك هنا وتنافس مع البنوك الاجنبية والعالمية والسوق عالمي مفتوح'. ويضيف 'لذا لا ارى من الداعي ان تخاف الشركات من المنافسة والاندماج. فالاقتصاد اصبح عالميا وتجد بنوكا اميركية واوروبية وصينية في جميع البلدان. وبدأ القطاع البنكي في التطور بالهند كذلك البنوك العربية. والعالم كله اصبح السوق'.
'لم يتسن لي وقت لأزور شوارع الكويت'
في نهاية لقائي مع البروفسور غاري بيكر، دار حديث بيننا لمعرفة كيف وجد الكويت. فاجابني انه بقي 5 ايام في البلاد قضاها في اللقاءات والمحاضرات ولم يتسن له وقت ليجول 'في شوارع الكويت ويزور المتاحف والاسواق والمطاعم'، حسب تعبيره.
صناديق التحوط صحية للغاية
يشيد غاري بيكر بدور صناديق التحوط 'القيمة في العالم لأنها ابتكار جديد يخلط بين استثمارات مختلفة لتحمي الاموال من المخاطر في الاسهم عبر التنويع. وهذا لا يعني انهم لا يتعرضون الى انتكاسات في بعض الاحيان. ونمو هذا النوع من الصناديق يعتبر صحيا للغاية في عالم مضطرب ومزدهر'.
الصناعة المالية الإسلامية تبلى حسنا
يعتبر غاري بيكر 'انه من الممكن جدا وجود صناديق وصناعة مالية تتبع الشريعة الاسلامية وصناديق تقليدية في بلد واحد. فهما قد يبليان بلاء حسنا كل منها من الأخرى. لأن هناك الكثير من الشركات في العالم تتبع الشريعة في تعاملاتها وفي الوقت نفسه تستطيع الاستثمار في القطاعات كافة. ومن المجدي الحصول على شركات تتبع الشريعة الاسلامية. لكن من الصعب تطبيق صناعة المال الاسلامية في العالم كله'.
بقدر ما كان صعبا وضع اسئلة لاميركي حامل جائزة نوبل للاقتصاد، بقدر ما كانت الاجوبة سهلة وبسيطة. فعندما يمتزج العلم الجامعي بالاقتصاد المعاصر والواقع الحياتي بفلسفة التطبيق، فتسمى الخلطة 'غاري بيكر'. يكفي ان بيكر هو تلميذ اقتصادي القرن العشرين وواضع فلسفة 'الاسواق الحرة' ميلتون فريدمان وهو يعمل في الوقت الحالي استاذا محاضرا في جامعة شيكاغو، حتى يكون اللقاء مع 'موسوعة فكرية' اكثر منه مع اقتصادي. ويكفي ان تبحث عن Gary Becker على 'غوغل' لتدرك انه اكثر من باحث، انه مجموعة دراسات. الف اكثر من 50 كتابا ومنشورة ووضع نظريات في علم الاقتصاد 'قلبت مجتمعات رأسا على عقب'، والقى محاضرات واعد ابحاثا 'على عدد الشعر الذي في رؤوسنا'. 'القبس' استغلت زيارة بيكر للكويت الاسبوع الماضي، لتنهل 'ولو القليل' من احد روافد علم الاقتصاد الحديث، وكان اللقاء التالي:
يطالب عدد من النواب الكويتيين باسقاط قروض عن المواطنين، ما قد يكلف الدولة اكثر من 7 مليارات دولار، ما رأيك؟
- بشكل عام، لا اؤمن باسقاط القروض. فالاشخاص الذين استدانوا من القطاعين الخاص والعام عليهم ان يدفعوا اقساطهم. لذا لا اشجع الحكومة الكويتية او اي حكومة على دفع القروض عن المواطنين. ومن يطالب باسقاطها عليه ان يتراجع عن ذلك، فالاقتصاد، بشكل عام، لا يحتمل جنونا في توزيع الثروات.
الحكومة والقطاع الخاص
الغت الحكومة الكويتية عددا من عقود الb.o.t مع شركات خاصة بسبب مخالفات للقانون. ويعتبر القطاع الخاص هذا الاجراء مناقضا لتوجه الحكومة في تشجيع القطاع الخاص. ما تعليقكم على هذا الحدث؟
- لا اعرف ما تفاصيل هذه القضية. لكن في الاجمال، اعتقد ان على الحكومة ان تكون حذرة في تعاطيها مع القطاع الخاص. فهذا القطاع يبحث دائما عن الارباح. وهو قد يتخطى بعض القواعد في سبيل تحقيق هدفه. وعلى الحكومة في الاساس ان تضع بنية تحتية للشركات الخاصة، ومن ثم لا تتدخل في كل التفاصيل مثل تمويل المشاريع وغيرها. وهي غير مطالبة بمساعدة القطاع الخاص حتى: لتضع القوانين وكيفية الرقابة وتدعه وشأنه. فبعد انشاء البنية التحتية ووضع التنظيم، على القطاع الخاص تحديد ما هو مربح له وما هو غير مربح في اختياره المشاريع.
امنت اسعار النفط سيولة مرتفعة لدول مجلس التعاون الخليجي. بما تنصحون حكومات هذه الدول، ومنها الكويت، لاستغلال هذه الاموال واستثمارها؟
- من الواضح ان هناك طفرة اقتصادية كبيرة يشهدها الخليج وخصوصا الكويت بفضل اسعار النفط المرتفعة. واعتقد ان هناك نصيحة اساسية اوصيها لدول المنطقة: استثمار اغلب هذه السيولة وعدم ادخارها. فليس من الضروري ان تدخر الحكومة بل يمكن توزيعه على المواطنين ومن ثم هم واولادهم يدخرونه. اعتقد ان الحكومة الكويتية تعرف ان الادخار ليس الوسيلة الافضل للحفاظ على الوفرة المالية بل هو باستثمار هذه السيولة بشكل متنوع في مناطق مختلفة في العالم في الاسواق المالية وفي المشاريع والصناديق بعيدا عن المخاطر. ويجب تشجيع المواطنين للاعتماد على انفسهم اكثر، قبل الحرص على توزيع الثروة، والا فسيصبح المجتمع خاملا.
تعتبر الحكومات في الخليج اقوى من شركات القطاع الخاص. هل تعتقد ان ذلك صحي؟
- لا، الوضع هنا ليس صحيا ان افضل الاقتصادات في العالم هي التي تتمتع بقطاع خاص قوي. على الحكومة طبعا ان تفعل الكثير من الاشياء تساعد التنظيم مثل التعليم والبنية التحتية من طرقات ومواصلات والامن الداخلي والخارجي. لكن في الاقتصاد، كلما كان القطاع الخاص قويا، كان الاقتصاد الوطني اقوى.
اسواق المال والاستثمار
شهدت البورصات الخليجية في 2006 حركة تصحيحية طويلة، لم تنته في بعض الدول حتى اليوم. ما نصائحكم لادارات اسواق المال في المنطقة حتى يتفادوا حركات الصعود والهبوط القوية؟
- صعب جدا ان تفعل ذلك. لا احد في العالم يستطيع ان يفعل ذلك. اسواق المال تصعد وتهبط حسب توقعات الناس واستثماراتهم. وانا افهم مرور اسواق الاسهم بمرحلة تصحيح، لان القيمة السوقية تكون اعلى من القيمة الواقعية العادلة. واظن انه ليس هناك طريقة لتفادي البورصات حركات التصحيح. وافضل حل او ضبط لهذه المسالة هو وضع الحكومة قانونا للحوكمة وتشجيع الشفافية، ليعرف المتداولون ما هي قدرات ومشاريع شركاتهم واختيار الاستثمار الانسب لهم، وعدم تشويه الصورة بالاكاذيب والمشاريع الوهمية. وحدها الحكومة تستطيع المساعدة في هذا السياق. وهذه النصيحة الوحيدة التي اوصي بها.
وما نصائحكم لرجال الاعمال والشركات العربية والخليجية لاستثمار اموالهم في سنة 2007؟
- على اصحاب رؤوس الاموال البحث عن الاماكن التي تتمتع باسرع نمو اقتصادي في العالم مثل الصين والهند. يوجد فيهما مخاطر كثيرة لكن امكانات هذين الاقتصادين عظيمة جدا. واعتقد ان امكانات الولايات المتحدة لا تزال جيدة جدا وتتمتع باقتصاد قوي. هناك اداء دول اوروبية قوي مثل اقتصاد بريطانيا، كما تجد فرصا مختلفة في المكسيك ودول اميركا الجنوبية، كذلك في اليابان.
لكن في اي قطاعات تنصح للاستثمار في هذه الدول؟
- القطاعات تختلف من بلد الى اخر. في الولايات المتحدة، قطاع المعلوماتية والتكنولوجيا قوي جدا. واذا انتقلت الى الصين، تجد انه لا يزال بلدا كادحا والقطاعات الصناعية هي الانجح. اما في المانيا، فقطاع التصدير والاليات هو الابرز. وعلى المستثمرين والشركات تنويع استثماراتهم بين هذه القطاعات كلها للحفاظ على معدل مخاطر مناسب لأرباح مزدهرة.
اقتصاد الصين
توقع بعض الخبراء ان تملك الصين اقوى اقتصاد في العالم سنة 2025 .. هل تظنون انها ستتخطى اقتصاد الولايات المتحدة الاميركية؟
- منذ 20 عاما، توقع خبراء ان تصبح اليابان اقوى اقتصاد في العالم، وهذا لم يحصل. فمن الصعب تحديد ذلك: عندما تكون دولة فقيرة كالصين وتنمو بهذه السرعة، يظن الناس انها ستسبق بقية الدول، لكنها لن تستطيع المحافظة على هذا المعدل في النمو لفترة طويلة. ومن الممكن ان تصبح الصين اقوى اقتصاد في العالم وممكن ان تظل الولايات المتحدة ايضا الاقوى لانها دولة مبتكرة ومبدعة. ولست مقتنعا ان تتربع الصين على هذا العرش. انه محتمل ولكن لو كنت مستثمرا لما وضعت كل اموالي في الصين.
هل تظنون ان الاستثمار في جنوب شرق آسيا بعيد عن المخاطر؟
- كلا على الاطلاق. فهناك اعمال انهارت بالكامل في هذه الدول لانهم لم يخططوا جيدا، كما ان التنظيم لا يزال صعبا. ان العوائد المرتفعة ترتبط دائما بالمخاطر المرتفعة. ولتفادي المخاطر لا اظن ان افضل استثمار هو في دول جنوب شرق آسيا او الهند.
مستقبل الدولار والتضخم
ما هو توقعكم لمستقبل الدولار بمواجهة اليورو؟
- ان وضع الدولار صعب. لا اعرف كيف يرصدون تحركات العملات. لكن الدولار ممكن ان يستمر في الهبوط خصوصا مع تحويل احتياطيات بعض الدول العربية والصين. فجميع الدول الغنية التي تملك احتياطيات بالدولار قررت تحويل بعضها الى اليورو، وهذا سيساعد في هبوط الدولار. ومستقبل الدولار غير مؤكد لكن الدول لا تزال تتعامل، وكأن الدولار هو العملة الاكثر ضمانا. فاقتصاد الولايات المتحدة مستقر وصلب. واذا هبط الاقتصاد الاميركي هبطت العملة الخضراء معه، واذا حصلت طفرة اقتصادية في الولايات المتحدة سيحافظ الدولار على مكاسبه واستقرار سعره. وهذا اهم شيء في المسالة.
كيف تصنفون موجة التضخم في العالم؟
- لا يزال معدل التضخم في العالم منخفضا جدا. ففي الولايات المتحدة واوروبا، اي الاقتصادات القيادية في العالم، لا يزال هذا المعدل يدور حول 2 في المائة. اما في اليابان فهذا المعدل صفر. اذا، لا داعي للخوف من التضخم . قد ترتفع الاسعار بشكل سريع بنسبة 2 الى 4 في المائة، لكن البنوك المركزية ستكون معنية بهذه القضية، وتحاول ان تحافظ على المعدل بين 2 وصفر في المائة. لكن ليس هناك تضخم بما تعنيه الكلمة في الاقتصاد العالمي. والمعدلات الحالية مناسبة ومحتملة جدا.
النمو العالمي
هل تعتبرون ان اسعار النفط المرتفعة تؤثر في النمو العالمي؟
- صحيح. ان اسعار النفط المرتفعة تضر خصوصا بالدول المستوردة للنفط اكثر من الدول المنتجة. لكن هذه الاسعار اضرت، بشكل اخف، بالدول المتطورة مثل الولايات المتحدة واوروبا واليابان، لانها لم تعد تعتمد على النفط كمصدر اساسي للطاقة. والاسعار لم تؤثر حاليا في الاقتصاد العالمي كما اثرت في عامي 1980 و1981 خلال الحرب العراقية الايرانية. واذا نظرت الى اقتصاد الولايات المتحدة فالنمو لم يتباطأ في العامين الاخيرين على الرغم من ارتفاع الاسعار. وهناك الكثير من الصناعات تضررت مثل قطاع الطيران لكن الاقتصاد العالمي بشكل عام لم يتأثر سلبا بشكل ملفت. اذ ان الدول المتطورة اصبحت تعتمد اقل على النفط كمصدر للطاقة، لذا علينا النظر الى الدول النامية مثل الصين والهند لانهم بحاجة الى النفط لتطوير اقتصادياتهم وهذه هي الاسواق المستقبلية المهمة للنفط. وتحاول دول العالم اختراع وسائل كثيرة للطاقة للاستغناء عن النفط، ما سيؤثر بشكل سلبي كبير في الدول المنتجة. هذا لم يحصل بشكل كبير حتى الان، لكن هذا محتمل في المستقبل القريب.
تلميذ ميلتون فريدمان
فاز غاري بيكر بجائزة نوبل للاقتصاد عام 1992 وهو لا يزال يحاضر في جامعة شيكاغو في الولايات المتحدة الاميركية كاستاذ في مادة الاقتصاد والاجتماع. عرف كخبير في 'اقتصاد العائلة' و'اقتصاد الظل' ( اي الجرائم المالية). تمحورت دراساته حول استخدام رأس المال والنمو الاقتصادي والاسواق الحرة. حصد جوائز وميداليات عدة منها ميدالية العلوم الوطنية عام 2000 عن دوره في تطوير السياسة الاجتماعية. نشر مقالات عدة في مجلة 'بيزنس ويك' ولديه مؤلفات كثيرة. يذكر انه تلميذ ميلتون فريدمان، واضع نظرية الاسواق الحرة الذي توفي منذ شهر تقريبا، وولد بيكر في بنسلفانيا عام 1930 .
الاندماج والخوف من المنافسة
تسأل غاري بيكر عن رأيه في موجات الاندماج بين الشركات العملاقة فيقول: 'ان الاقتصاد اليوم عالمي، ما يعني توسع التنافس بين الشركات العالمية. وهناك تنافس بين البنوك هنا وتنافس مع البنوك الاجنبية والعالمية والسوق عالمي مفتوح'. ويضيف 'لذا لا ارى من الداعي ان تخاف الشركات من المنافسة والاندماج. فالاقتصاد اصبح عالميا وتجد بنوكا اميركية واوروبية وصينية في جميع البلدان. وبدأ القطاع البنكي في التطور بالهند كذلك البنوك العربية. والعالم كله اصبح السوق'.
'لم يتسن لي وقت لأزور شوارع الكويت'
في نهاية لقائي مع البروفسور غاري بيكر، دار حديث بيننا لمعرفة كيف وجد الكويت. فاجابني انه بقي 5 ايام في البلاد قضاها في اللقاءات والمحاضرات ولم يتسن له وقت ليجول 'في شوارع الكويت ويزور المتاحف والاسواق والمطاعم'، حسب تعبيره.
صناديق التحوط صحية للغاية
يشيد غاري بيكر بدور صناديق التحوط 'القيمة في العالم لأنها ابتكار جديد يخلط بين استثمارات مختلفة لتحمي الاموال من المخاطر في الاسهم عبر التنويع. وهذا لا يعني انهم لا يتعرضون الى انتكاسات في بعض الاحيان. ونمو هذا النوع من الصناديق يعتبر صحيا للغاية في عالم مضطرب ومزدهر'.
الصناعة المالية الإسلامية تبلى حسنا
يعتبر غاري بيكر 'انه من الممكن جدا وجود صناديق وصناعة مالية تتبع الشريعة الاسلامية وصناديق تقليدية في بلد واحد. فهما قد يبليان بلاء حسنا كل منها من الأخرى. لأن هناك الكثير من الشركات في العالم تتبع الشريعة في تعاملاتها وفي الوقت نفسه تستطيع الاستثمار في القطاعات كافة. ومن المجدي الحصول على شركات تتبع الشريعة الاسلامية. لكن من الصعب تطبيق صناعة المال الاسلامية في العالم كله'.