أسلوب الفتاوي الغير مبنيه على اسس علوم دينيه دقيقه تؤدي الى " الأذيه " فيصبح الشخص حائر من معرفة الحق من الباطل.
فقه البيوع
المؤلف : الشيخ محمد بن أحمد الفراج
أفرغه واعتنى به ورتبه : أبو العنود
نبذة :
هذا الملف عبارة عن فوائد مهمة من درس الشيخ في عام 1415هـ في جامع شيخ الإسلام ابن تيمية في سلطانة ضمن دورة علمية مكثفة .
أرجو الدعاء لكل من كان سبباً في إخراجه فهو ذو فائدة قيمة في بابه .
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين وبعد :
فهذه اختيارات لبعض الفوائد من درس فضيلة الشيخ / محمد بن أحمد الفراج حفظه الله ورعاه ، المسمَّى بـ ( فقه البيوع ) والذي أُقيم بجامع شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله بسلطانه عام 1415هـ وعِدّة هذا الدرس أربعة أشرطة .
ومنهجي في هذا التفريغ أني أُفرِّغ ما يتعلق بصلب هذا الموضوع فقط ( فقه البيوع ) دون ما يكون فيه من استطراد ، فأذكر المسائل الفقهية المبحوثة فيه وإن استطرد الشيخ استطراداً لا مساس له بالموضوع فلا ألتزم بذكره .
علماً بأني لن ألتزم بعبارات الشيخ التزاماً حرفياً ولكن قد أتصرَّف في بعض عبارات المسائل بما لا يُخلِّ بالمسألة المبحوثة ، كما أني قد أرتِّب بعض المسائل والفقرات أو أضع عناوين لبعض المسائل من عندي بما أرى الحاجة إليه حتى تفهم المسائل ويكون الكلام على نسق واحد .
هذا وأسأل الله تعالى أن يجعل عملي خالصاً لوجهه الكريم ، وأن ينفع به الكاتب والقارئ ، كما أُنبِّه القارئ الكريم أن هذا عملٌ بشري يعتريه ما يعتري الأعمال البشرية من النقص الذي لا بد له منه ولكن أُذكِّرُ بقول القائل :
إن تجد عيباً فسد الخللا
جلَّ من لا عيب فيه وعلا
وآخر دعواي أن الحمد لله رب العالمين ، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين .
أبو العنود
ص . ب : 35672 الرياض
الرمز البريدي : 11488
بسم الله الرحمن الرحيم
خلاصة الدروس والفوائد من درس فضيلة الشيخ / محمد الفراج (فقه البيوع )
* الأصل في المعاملات الجواز إلا ما حرّمه الشارع ، بخلاف العبادات فالأصل فيها المنع إلا ما دلّ الدليل على مشروعيته ؛ لأن الشارع يسد باب البدعة .
والدليل على أن الأصل في المعاملات الحل قوله تعالى { هو الذي خلق لكم ما في الأرض جميعاً } فاللام في قوله { لكم } للملك .
والدليل على جواز البيع { وأحل الله البيع } وقوله تعالى { ولا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل إلا أن تكون تجارة } وقال النبي صلى الله عليه وسلم :« إن التجار يبعثون يوم القيامة فجاراً إلا من بر وصدق » وفي الصحيح عن ابن عمر :« البيعان بالخيار ما لم يتفرقا فإن بينا وصدقا بورك لهما في بيعهما وإن كتما وكذبا محقت بركة بيعهما » .
والإجماع منعقد على جوازه وحله والحاجة قائمة إليه ؛ لأن الإنسان بحاجة إلى ما في يد أخيه والإنسان لا يدفع ما معه إلا بعوض وثمن فشُرع البيع لتحصيل هذا وهذا .
الربا :
السلف رحمهم الله كانوا يطلقون على البيوع المحرمة : الربا ، كما جاء في تسمية الناجش مرابي .
تعريف الربا لغة : له معاني عديدة كلها ترجع إلى الزيادة .
اصطلاحاً : كثرت تعريفات الفقهاء له ، ومن أجمع التعاريف وأشملها ما ذكره الشربيني الشافعي صحب ( مغني المحتاج شرح المنهاج ) حيث قال : عقد على عوض مخصوص غير معلوم التماثل في معيار الشرع حالة العقد أو مع تأخير البدلين أو أحدهما .
شرح التعريف :
على عوض مخصوص : لبيان أن الربا لا ينهى عنه في كل الحالات وإنما في أموال خاصة وهي التي وجدت فيها علة الربا .
غير معلوم التماثل : فأخرج معلوم التفاضل ومجهول التماثل ؛ لأن الأموال الربوية - كما قال العلماء - حالة مبادلتها لا تخلو من أحوال ثلاثة :
1- إما أن يعلم تماثلها ، مثل : صاع بصاع .
2- أو يعلم تفاضلها ، مثل : صاعين بصاع .
3- أو يجهل التماثل ، مثل : كومة تمر بكومة تمر لم تُكَلْ .
فالثانية والثالثة ممنوعة والأولى هي الصحيحة .
في معيار الشرع : لبيان أنه ليس كل تماثل معتبراً ، فالمكيلات حال بيعها ببعض تباع كيلاً والموزونات حال بيعها ببعض تباع وزناً ، والمعدودات حال بيعها ببعض تباع عداً ، فلا يصح : بيع كيلو ريالات بكيلو ريالات .
حالة العقد : فلو كان التفاضل فيما بعد انتهاء العقد غير مشروط فلا بأس ، مثل : صاع تمر بصاع تمر وبعد مدة زاد أحدهما الآخر صاعاً من غير شرط بينهما فإنه يجوز .
حكم الربا :
الربا حرام بالإجماع ( ) وكبيرة من كبائر الذنوب .
دل على ذلك الكتاب والسنة والإجماع .
أقسام الربا :
1- ربا فضل : يعني الزيادة ، مثل : صاعين بصاع .
2- ربا نسيئة : يعني التأخير ، وهو نوعان :
أ ) ما يقع في البيع : بيع ربوي بربوي يشتركان في علة مع عدم القبض ، مثل : صاع تمر بصاع بر .
ب ) ما يقع في القرض : قلب الدين على المعسر وهو أقبح وأشد وأفظع أنواع الربا وهو ما يقع في البنوك فيستدين 1000 ثم يقول له إذا حل الدين : إما أن تقضي وإما أن تربي.
ربا الفضل : عقد على عوض مخصوص غير معلوم التماثل في معيار الشرع حالة العقد .
حكم ربا الفضل :
ربا النسيئة بنوعيه حرام ولم يخالف أحد في تحريمه بالإجماع غير من لا يعتد بخلافهم .
أما ربا الفضل فهو أيضاً حرام بالإجماع ولكن صح عن بعض السلف من الصحابة أنه تكلم في جوازه فلما بين لهم حرمته حرموه .
فقد روي عن ابن عمر وابن عباس وزيد بن أرقم وأسامة بن زيد ولكن الجميع رجعوا إلى القول بالتحريم ، والسبب في خفاء هذا الحكم عليهم :
1- أن ربا الفضل لم يحرم إلا أخيراً وكان من آخر ما نزل الآيات في شأن ربا الفضل فظن ابن عباس أن الفضل لا ربا فيه حتى علم التحريم وهو قد روي عن أكثر الصحابة مثل : أبو هريرة ، عبادة بن الصامت ، أبو سعيد الخدري ، فضالة بن عبيد ، بلال بن رباح ، سواد بن غزية ، عمر بن الخطاب ، وثبت رجوع ابن عباس في مسلم وبوب البيهقي :« باب رجوع من قال من الصدر الأول بجواز الربا ورجوعه عنه أو كما قال .
كيفية تخريج حديث أسامة بن زيد « لا ربا إلا في النسيئة » :
1- من العلماء من ذهب إلى الجمع – وهو الأولى ما دام ممكناً ؛ لأن فيه عملاً بالنصوص كلها – فقالوا : إن مراد النبي صلى الله عليه وسلم في قوله :« إنما الربا في النسيئة » هذا في حالة ما إذا اختلف جنسه كبر وتمر فهنا لا بأس بالفضل لاختلاف الجنس ويمنع النسأ .
2- من العلماء من قال بالنسخ فقال : في أول الإسلام نزل قوله تعالى { يآ أيها الذين آمنوا لا تأكلوا الربا أضعافاً مضاعفة } يعني ربا النسيئة .
فقال النبي صلى الله عليه وسلم :« لا ربا إلا في النسيئة » ثم في آخر الإسلام نزل تحريم ربا الفضل في قوله تعالى { يآ أيها الذين آمنوا اتقوا الله وذروا ما بقي من الربا } فقال النبي صلى الله عليه وسلم : « الذهب بالذهب والفضة بالفضة والبر بالبر والشعير بالشعير والتمر بالتمر والملح بالملح مثلاً بمثل سواء بسواء يداً بيد » .
وهذا قول له حظ من القوة والوجاهة . وإن كان لا يقال بالنسخ إلا عند الضرورة .
3- من العلماء من سلك مسلك الترجيح ، فرجح روايات النهي عن ربا الفضل على حديث ( إنما الربا في النسيئة ) ووجه الترجيح أمور :
أ – أن رواة التحريم أكثر عدداً وأكثر حفظاً منهم : أبو هريرة وأكبر سناً وأكثر ملازمة للنبي صلى الله عليه وسلم بخلاف حديث أسامة فإنه لم يروه إلا أسامة .
وابن عباس لم يسمع من النبي صلى الله عليه وسلم مباشرة إلا بضعة عشر حديثاً وقيل : بضعاً وثلاثين وأكثر أحاديثه مراسيل صحابة .
ب – أن التحريم نقل عن البراءة والتحليل بقاء على البراءة وإذا تعارض المبقي على البراءة والناقل عن البراءة قدمنا الناقل عن أصل البراءة ؛ لأنه أبرأ في الذمة وأحوط في الديانة .
جـ – أن حديث أسامة دل على إباحة ربا الفضل بالمفهوم وحديث عبادة وأبي سعيد « لا تبيعوا الذهب بالذهب » دل على التحريم بالمنطوق والقاعدة : أنه إذا تعارض المنطوق والمفهوم قدمنا المنطوق .
وبهذا يتبين ويزول الإشكال وأنه لا مستمسك لأحد في حديث أسامة .
من وجوه الجمع :
من العلماء من قال : القصر هنا ليس قصراً حقيقياً وإنما هو إضافي ؛ لأن الحصر والقصر منه حقيقي ومنه إضافي فالحقيقي مثل : لا إله إلا الله ، والإضافي ما سيق على سبيل المبالغة مثل : لا عالم إلا ابن باز فهنا القصر إضافي وليس حقيقي ؛ لأن هناك علماء آخرون ولكن هذا مسوق على سبيل المبالغة .
وهنا : إنما الربا في النسيئة يعني ليس قصراً حقيقياً وإنما هو إضافي : يعني : الربا الأشد والأعظم والأشنع هو النسيئة ربا الجاهلية وهناك ربا محرم لكنه دونه في التحريم وإن كان محرماً وهو ربا الفضل .
مسألة / الأموال التي يجري فيها الربا :
نصت الأحاديث على ستة أنواع من الأموال كما في حديث عبادة عند مسلم :« الذهب بالذهب والفضة بالفضة والبر بالبر والشعير بالشعير والتمر بالتمر والملح بالملح مثلاً بمثل سواء بسواء يداً بيد » فهذه الأموال مما يجري فيها الربا بالإجماع .
مسألة / هل يجري الربا في غير هذه الأنواع أم لا ؟
الجمهور : على أنه يجري في غيرها وأنه نبه بها على غيرها وذكرت تمثيلاً لا حصراً .
قال الجمهور : إن الربا في الأموال الستة معلل بعلة متى ما وجدت في غير هذه الأموال قسناها عليها وعدي الحكم إليها ؛ لأن الحكم يدور مع علته وجوداً وعدماً .
وخالف بعض الفقهاء فقالوا : لا يجري الربا في غير هذه الأصناف الستة فقط لا غير ، وهو مروي عن قتادة وطاووس وأهل الظاهر وأبي الوفاء بن عقيل الحنبلي .
وهؤلاء المخالفين انقسموا في تعليل قولهم إلى قولين :
1- فقال الظاهرية : لأن النبي صلى الله عليه وسلم نص عليها ولو كان يريد غيرها لذكر العلة فلما عدد عرفنا أنه يريد الحصر ، وهم يمنعون القياس ولا يقولون به .
وأما الآخرون فقالوا بالقياس ولكنهم عللوا قصر الربا على الأصناف الستة بقولهم : لم نر علة واضحة بينة ، ووجدنا الأقوال الأخرى متضاربة فجعلنا العلة قاصرة غير متعدية واشتركوا في القول بأن الربا لا يجري في غير الأصناف الستة .
وقول الجمهور هو الصحيح ، والدليل على هذا :
1- ما روي عن الرسول صلى الله عليه وسلم كما عند مسلم أنه قال :« الطعام بالطعام مثلاً بمثل » فأتى بـ ( ال ) التي تدل على العموم فنبه على علة وهي الطعم .
2 – حديث النهي عن المزابنة ولعل هذا الحديث أصرح الأدلة ، ففي الصحيحين عن ابن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن المزابنة والمحاقلة .
المزابنة عرَّفها راوي الحديث ابن عمر – والراوي أعرف بما روى – فقال : أن يبيع ثمر حائطه بتمر كيلاً ، وإن كان كرماً أن يبيعه بزبيب كيلاً ، وإن كان طعاماً أن يبيعه بطعام كيلاً نهى عن ذلك كله .
يعني : يبيع الرطب الذي على رؤوس النخل بتمر كيلاً فيقدره مثلاً بـ 10 آصع ثم يبيعه بـ 10 آصع من تمر فهذا ممنوع ؛ لأنه مجهول التماثل والجهل بالتماثل كالعلم بالتفاضل .
فالشاهد من الحديث : قوله « وإن كان كرماً أن يبيعه بزبيب كيلاً » فهذا في الحديث أدخل نوعاً وهو الزبيب والعنب فدل على أن الربا لا يقتصر على الستة أنواع فقط .
بل كل ما كيل أو وزن من المطعومات ولذل قال ( كيلاً ) للتنبيه على العلة .
3- آثار رويت عن بعض الصحابة ، مثل : ما روي عن عمار بن ياسر أنه قال : إنما الربا في النسيئة إلا ما كيل أو وزن ، يعني : وفيه ربا فضل .
فأعطى علة عامة وهي الكيل والوزن .
وبهذا يترجح قول الجمهور بأن الربا يجري في غير الأصناف الستة مما وجد فيه علتها فلا بد أن نعرف العلة في الأصناف الستة التي حرم الربا لأجلها حتى نطبقها على الأموال الأخرى فنجري الربا فيها ، وهذا ما سنتطرق إليه في المسألة التالية .
مسألة / العـلة التي حرم الربا لأجلها :
حصل خلاف طويل عريض بين الفقهاء ولكن نذكر أشهر الأقوال ونخلص إلى القول الراجح ، فنقول : إن الأموال التي نص الحديث على دخول الربا فيها ستة أنواع ، وهذه الأنواع الستة تنقسم إلى قسمين :
1- أثمان ، وهي الذهب والفضة .
2- مطعومات ، وهي : البر ، الشعير ، التمر ، الملح .
أجمع القائلون بتعليل الربا على أن العلة في النقدين غير العلة في المطعومات الأربع .
أولاً النقدان :
نظر الجمهور فيهما لماذا حرم الربا فيهما ؟ فقالوا أقوالاً كثيرة ، ولكن القول الراجح فيها : مطلق الثمنية .
لأن الشارع أراد أن تكون أثماناً بحيث لا تقصد لذاتها – لأنها لو قصدت لذاتها لحصل الربا – فأراد أن يبثها ويفرقها في الناس ويفتتها فتكون وسيلة للتعامل وحصول الأشياء . حتى لا يؤدي تراكمها بيد معينة كما يحصل الآن عند المرابين .
وهذا قول المالكية والشافعية ورواية عند الحنابلة اختارها الموفق وشيخ الإسلام ابن تيمية وابن القيم ورجحته هيئة كبار العلماء .
فعلى هذا ننقل العلة فنقول : كل مال وجدت فيه العلة حرم فيه الربا قياساً على النقدين حتى قال الإمام مالك – كما في المدونة - : لو تواضع الناس على أن يجعلوا الجلود أثماناً لكرهت الربا فيها . وهذا من فقه الإمام رحمه الله فإنه ما علم أنه سيأتي زمان الورق الذي هو أرخص الأشياء سيتخذ أثماناً .
فإذاً نقيس كل مال استعمل ثمناً جرى فيه الربا قياساً على النقدين ، فالريال يستعمل ثمناً فيجري فيه الربا وكذا كل العملات .
ثانياً : المطعومات ( البر ، الشعير ، التمر ، الملح ) :
أيضاً اختلف فيها العلماء في استنباط العلة فيها على أقوال عديدة ولكن أشهر الأقوال :
1- أن العلة فيها الكيل والوزن فقط ، فكل مكيل أو مووزون جرى فيه الربا قياساً على هذه المطعومات الأربع .
قالوا : نظرنا لهذه المطعومات الأربع فوجدناها مكيلة ، وأما الموزون فمن نصوص أخرى كما في الحديث أن الرسول صلى الله عليه وسلم لما أنكر على الرجل الذي باع صاعين بصاع من تمر جيد قال الراوي كما في الصحيحين : وقال في الميزان مثل ذلك .
وكذلك قول عمار : إلا ما كيل أو وزن ، فالوزن مثل الكيل .
فكل مكيل أو موزون جرى فيه الربا سواء كان مطعوماً كالبر والملح والتمر وكاللحم أو غير مطعوم كالصابون والأشنان والحديد والرصاص ، وهذا مذهب الحنفية والمعتمد عند الحنابلة وقول بعض التابعين ، فهؤلاء وسعوا الدائرة .
2- أن العلة فيها هي الطعم فكل ما كان مطعوماً جرى فيه الربا ، ودليلهم حديث عمر عند مسلم أن النبي صلى الله عليه وسلم قال :« الطعام بالطعام مثلاً بمثل » وقالوا : كما شرّف الشارع الثمنين وأراد أن تكون وسائل كذلك شرّف الأطعمة لئلا يحصل احتكارها فنهى عن الربا فيها .
وهذا قول الشافعية ورواية قوية عند الحنابلة .
وقالوا : العبرة بالطعام سواء كان مكيلاً أو موزوناً كالتمر والملح والبر واللحم والدهن والعسل أو غير مكيل ولا موزون يعني معدود مثل البطيخ والتفاح والكمثرى .
وهذا قول واسع .
3- أن العلة فيها هي الكيل والوزن مع الطعم ، وهو قول وسط بين القولين السابقين وضيقوا الدائرة قليلاً ولم يوسعوا الربا فسهلوا على الناس .
فيجري الربا في كل مكيل مطعوم أو موزون مطعوم ولا يجري الربا في المكيل غير المطعوم كالصابون ولا الموزون غير المطعوم كالحديد والرصاص ، ولا يجري في المطعوم غير المكيل ولا الموزون كالمعدود مثل البطيخ وغيره .
وهؤلاء أقرب إلى الدليل ؛ لأنهم جمعوا بين الأدلة ولم يفرقوا بينها وهذا قول قوي عند الحنابلة وقول الشافعية في القديم واختيار شيخ الإسلام ابن تيمية والموفق والرأي الذي استقرت عليه هيئة كبار العلماء وهو الراجح إن شاء الله .
وعلى هذا فكل ما وجدت فيه العلة من غير الأصناف الأربعة مما هو مطعوم مكيل أو مطعوم موزون جرى فيه الربا مثل العنب الزبيب اللبن اللحم قوالب السكر .
مسألة / القاعدة في جريان الربا بنوعيه :
قبل هذه القاعدة نذكر أموراً :
يجب أن تعلم أولاً أنه لا يوجد عندنا إلا ثلاث علل للربا فقط وليس في الدنيا غيرها :
1- الأثمان .
2- المكيل المطعوم .
3- الموزون المطعوم .
ويدخل تحت العلة أجناس وتحت الجنس أنواع وتحت النوع أفراد مثال : الريال السعودي جنس وتحته من أنواعه الورقي والمعدني وتحت الأنواع أفراد يعني ريال وريال .
هذا في الأثمان .
وفي المكيل المطعوم تحت هذه العلة أجناس كالتمر والبر والشعير إلخ ، وتحت كل جنس أنواع فالتمر تحته : سكري ، برني ، خلاص ، وتحت النوع أفراد يعني تمرة وتمرة وتمرة .
وفي الموزون المطعوم تحت هذه العلة أجناس ، مثل : اللحم ، وتحته أنواع : البقر ، الغنم ، والنوع أفراد ، وهكذا .
بعد هذا نأتي إلى قاعدة جريان الربا ، فنقول :
* إذا اتحد الجنس فإنه يجري نوعا الربا : الفضل والنسأ .
فإذا بعتُ مالاً من جنس واحد ولو من نوعين حرُم الفضل والنسأ مثل تمر سكري بتمر خلاص ، فلا بد أن يكون مثلاً بمثل يداً بيد .
* إذا اختلف الجنس واتحدت العلة فإنه يجوز الفضل ويحرم النسأ .
مثل : ريال بدولار فإنه يجوز التفاضل ولا بد من التقابض .
* إذا اختلفت العلة فإنه لا يجري الربا في النوعين .
بمعنى أنه يجوز التفاضل والنسأ مثل : تمر بريال فلا بأس من التفاضل والتأخير .
* ومن باب أولى إذا بعت ربوي بغير ربوي فإنه لا يجري الربا في النوعين .
كالمعدودات كسيارة بريالات فلا بأس هنا بالفضل والتأخير فيها .
مسألة / ما يصلح المطعوم :
ذكرنا أن كل مطعوم مكيل أو موزون يجري فيه الربا ويقاس عليه غيره مما لم يذكر .
ومثل المطعوم ما يصلح المطعوم ؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم ذكر ثلاثة أطعمة وهي : البر والشعير والتمر ، وذكر ما يصلح المطعوم وهو الملح فيقاس المطعوم على المطعوم فنقيس الذرة والرز والدخن على المطعومات .
ويقاس ما يصلح المطعوم على ما يصلح المطعوم ، فنقيس البهورات والكمون والفلفل على الملح ؛ لأنها تصلح المطعوم .
مسألة / بيع المكيل والموزون بجنسه :
في ربا الفضل لا يجوز أن تبيع مكيلاً بجنسه إلا كيلاً مثل تمر بتمر فلا يجوز أن تبيعها وزناً ولا عداً ؛ لأن الشارع حدد في الربويات الكيل لأنها قد تتساوى وزناً ولا تتساوى كيلاً .
ولكن إذا بعت المكيل بغير جنسه فلا يحجر الشارع عليك سواء بعتها وزناً أو كيلاً أو عداً كتمر ببر أو بأي طريقة .
وهكذا لا يباع الوزن بجنسه إلا وزناً كذهب بذهب فلا يباع كيلاً ولا عداً .
مسألة / هل هناك تأثير للجودة والرداءة أو القدم والحداثة في باب الربا؟
أجمع العلماء على أنه لا تأثير للجودة والرداءة أو القدم والحداثة في باب الربا بمعنى أنك إذا بعت تمراً جيداً بتمر رديء فإنه لا يعفيك الشارع من المماثلة وحديث بلال في الصحيح صريح في المسألة .
وكذلك إذا أراد الإنسان تغيير ذهب زوجته القديم بذهب جديد فإنه أيضاً لا بد في ذلك من التماثل دون النظر في هذا للقدم والحداثة .
وهكذا إذا أتى بذهب مكسر أو تبر وأراد أن يشتري به ذهباً مصنعاً فإنه لا يجوز التفاضل في هذا مقابل الصنعة .
والحل الصحيح والشرعي في جميع هذه الحالات : أن يبيع القديم بدراهم ثم يشتري بالدراهم ما يريد من الجديد سواء كان تمراً أو ذهباً أو غير ذلك كما أرشد النبي صلى الله عليه وسلم بلالاً في الصحيح في قصة خيبر .
مسألة / الريال الورقي والمعدني :
قلنا سابقاً أن الجنس إذا اتحد فلا يجوز بيع بعضه ببعض متفاضلاً بل لابد في ذلك من التماثل والتقابض ولو اختلف النوع .
وهنا مسألة مشهورة في هذا المقام وهي : بيع الريال الورقي بمعدني أو المعدني بورقي متفاضلاً فقد أفتى بجواز ذلك بعض المشايخ والصحيح عدم الجواز ؛ لأن هذا من قبيل اختلاف النوع لا الجنس .
حجة المجيزين : ومنهم الشيخ ابن جبرين حفظه الله تعالى فقد أجاز تسعة معدن بعشرة ورق فهم نظروا إلى أنهما جنسان لا نوعان مثل : فضة وذهب وبر وتمر فلما اختلفا في الجنس جاز الفضل حسب القاعدة .
وقالوا : جنس الورقي يختلف عن المعدني فالورقي : الفأر يخرقها والنار تحرقها والماء يتلفها وتلك لا ، فهي جنس آخر .
ولو فرضنا أن عندك ملء غرفة من الريال المعدني وأخرى من الورقي ثم سحب السلطان الثقة والتعامل بها ، فالحديد يمكن أن تصهر وتستعمل معادن وأواني وغير ذلك .
لكن الصحيح أن دليلهم هذا لا يستقيم فنقول : أنه لا قيمة للريالات من حيث هي معدن أو ورق فلا قيمة لها بذاتها وإنما قيمتها معنوية واكتسبت قوتها مما يسمونه بالقوة الشرائية وثقة التعامل بها في الأسواق ولذلك لا تختلف قيمة الورقي عن المعدني فكلاهما يشتري لك علبة مرطبات .
فالصحيح أنهما ليسا جنسين وإنما هما جنس واحد داخلان في جنس الريال لكن الاختلاف في النوع وهذا القول أبرأ في الذمة وأحوط في الديانة وفيه سد للذريعة أيضاً .