q8_chamber
عضو مميز
نكهة خاصة.. للإدارة في اليابان
نكهة الادارة في اليابان تختلف عن الدول الغربية. فاليابانيون يطبقون المفاهيم الادارية نفسها المعروفة عالميا بفروعها الأربعة: التخطيط والتنظيم والقيادة والرقابة، ولكن بمذاق ياباني لذيذ. فالتاريخ القديم لامبراطورية اليابان وتجاربها المريرة في الحروب، وتحديدا العالمية منها، وغيرها من نزاعات داخلية، ساهمت في تقديم نموذج مختلف في تطبيق الادارة، يطلق عليه مجازا: 'الادارة اليابانية'. ومن هذه الاختلافات الرئيسية في الادارة لديهم، مثلا، أن النموذج الياباني يحمل العاملين في المستويات الدنيا والوسطى في الادارة مسؤولية المبادرة بتقديم الاقتراحات والنصائح الى الادارة العليا، وقلما تتخذ الادارة العليا قرارات من دون الرجوع الى هذين المستويين، لأنها تؤمن بأن من هم دونها في السلم الوظيفي أقرب الى المشاكل والمعوقات التي تعترض طريق المؤسسة، وبالتالي يقدمون مقترحات أقرب الى الواقع. وهناك نظام معروف يسمى Ringi System اذ تعني كلمة Rin باليابانية تقديم اقتراح من مستوى أدنى الى مستوى أعلى لأخذ موافقة عليه، بينما تعني كلمة Gi اجراءات اتخاذ القرار. أما مسؤولية الادارة العليا فهي اتخاذ القرارات بعد دراستها والاشراف على تنفيذها. ويعرف عن المديرين اليابانيين حرصهم، على جمع كم هائل من المعلومات التي تساعدهم على اتخاذ القرار الرشيد، وهذه أحد الأسباب التي تدفع المديرين الغربيين الى انتقاد رجال الادارة في اليابان الذين يستغرقون -حسب رأيهم- وقتا أطول في اتخاذ القرارات والرجوع الى أكبر عدد ممكن من المستويات الوظيفية الدنيا. ديمومة الموظف كما يعتقد اليابانيون ـ وبشدة ـ بمبدأ 'ديمومة الموظف' أي أن الموظف لن يترك عمله لمصلحة العمل في شركة أخرى منافسة، ولذا يلاحظ أن الانفاق الياباني على التدريب كبير جدا، ولا يضاهي الدول المتقدمة والنامية، لأن اليابانيين يرون في التدريب استثمارا طويل الأجل في الانسان، ولا يخشون تسرب الكفاءات كما هو الحال في الدول الأخرى. ذلك أن الموظف في اليابان يعد نفسه جزءا لا يتجزأ من الشركة ويحاول بكل ما أوتي من أفكار واقتراحات أن يطور المؤسسة التي يعمل فيها حتى وان كانت دون المستوى الذي يصبو اليه. وهذا ما يفسر سر حصول الشركات اليابانية على أدنى معدل في العالم لدوران العمل (تسرب الموظفين) ولسنوات عديدة. علما بأن الموظف في اليابان لا يفصل الا لظروف قاهرة كتجاوزه أخلاقيات العمل. وعلى صعيد القيادة نجد اليابانيين يختلفون في تطبيقاتهم لمفهومها، اذ يؤمنون بالقرار الجماعي، وأن تبعات ما يتخذه القياديون من قرارات لا تعود فقط على متخذ القرار نفسه وانما تعود أيضا على أولئك الذين يشغلون المناصب الوظيفية الدنيا والوسطى، لأنهم هم من يمدون القياديين بالمعلومات والاقتراحات اللازمة لاتخاذ ذلك القرار. الصفات القيادية ومن أهم الصفات القيادية في اليابان: التركيز على العلاقات الانسانية قبل العلاقات الوظيفية، من منطلق أن العاملين يؤمنون بأنهم أسرة واحدة، ورئيسهم هو في حقيقة الأمر قائد اجتماعي Social Leader أكثر من كونه قائدا مهنيا Professional. ويتمتع نظام الادارة اليابانية بنظام خاص بالترقيات والمكافآت، حيث يشكل عامل الأقدمية Seniority عنصرا مهما يؤخذ بعين الاعتبار عند ترقية الموظف. فالترقي الوظيفي في اليابان يسهل التنبؤ به، ويحكمه نظام معروف لدى جميع الموظفين، ونادرا ما يثير مشاكل مقارنة فيما يحدث بالدول الغربية. والموظفون الصغار يقبلون بتقاضيهم رواتب أقل، طالما أن خبرتهم قليلة، فهم يعلمون أنه بتقدمهم الوظيفي سترتفع رواتبهم بشكل ملحوظ. وتحرص الادارة اليابانية على تقديم مكافآت مجزية: مثل مساعدات سكنية، وعروض مغرية لقضاء اجازات ممتعة، فضلا عن قروض بتكلفة منخفضة لشراء سيارات أو منزل وغيرها، كما يعطى الموظف اشتراكات في أندية رياضية ليساهم ذلك في تنشيط جسمه وعقله والمحافظة على صحته. اليابانيون طبقوا مفاهيم الادارة على نحو يساهم في بلوغهم مقاصدهم وأهدافهم الاستراتيجية كدولة وكمؤسسات، ونجحوا بالفعل في بناء دولة متقدمة، وذلك لأنهم كان لديهم رؤية واضحة قبل أن يبدأوا، فهل من مدرك؟ ودا عا للتقليد خلعت الادارة اليابانية عنها رداء التقليد الأعمى للمنتجات العالمية والتي ساهم في وصف منتجاتها بأنها دون المستوى، قبل أكثر من 50 عاما، وبدأت تركز على مبدأ مهم لديها وهو 'تطوير المنتجات' من خلال استخدام أفضل وسائل التكنولوجيا للدخول الى المنافسة العالمية. وقد أخبرني تاجر كويتي، في الثمانين من عمره 'أن كثيرا من المنتجات اليابانية في الوطن العربي كانت محل تندر وعدم ثقة المستهلك العربي في منتصف القرن الماضي لرداءتها، مثل بعض المنتجات الصينية حاليا، أما الآن فانقلبت الموازين' على حد تعبيره. وربما أقرب مثال الى النقلة النوعية التي شهدتها الادارة اليابانية، العلامة الفارقة في الصناعة المتمثلة في سيارة 'اللكزس' التي أضحت تنافس أرقى السيارات العالمية وأعرقها، من حيث وسائل الأمن والسلامة والرفاهية المتطورة فيها، لاسيما غيرها من المنتجات اليابانية الالكترونية المعروفة، التي لم تعد تقلد بل تطور. فلسفة التطوير تشتهر الادارة اليابانية بتطبيق استراتيجية 'تطوير' مهمة أو ما يطلق عليه اسم كيزنKaizen . وهي ببساطة أحد أسرار تميز الادارة اليابانية عن نظرائها في العالم، اذ تقوم فكرتها على أهمية 'أن تتضافر جهود جميع الموظفين في عملية التطوير التي يجب أن لا تتوقف أبدا'. وبشكل عام هناك عنصران أساسيان في الادارة اليابانية وهما: الصيانة والتطوير. فالصيانة، من وجهة النظر اليابانية، ضرورية للمحافظة على المقياس الحالي من التكنولوجيا المتبعة والادارة والعمليات. أما التطوير فهو مهم للنهوض بالمقاييس الحالية المتبعة الى مراتب متقدمة يمكن أن تنافس ما توصلت اليه الشركات العالمية، ولا ننسى أن الشركات اليابانية تضع نصب أعينها دائما الأسواق العالمية، ولم يعد السوق المحلي شغلها الشاغل، وهذا ما جعلها تغزو أسواقا جديدة كانت حكرا على أصحابها لعقود طويلة، وأقرب مثال على ذلك ما يجري في الوقت الراهن من تنافس ضار بين شركة تويوتا وصناع السيارات الاميركية، في عقر دارهم (اميركا) التي انخفضت مبيعاتها وحققت أخرى خسائر غير مسبوقة. وقت الفراغ أم الراتب؟ معلوم عن اليابانيين انكبابهم على العمل والجد والاجتهاد، وربما هو ما دفع 50 في المائة منهم في استبيان حكومي شهير، في أواخر الثمانينات، الى ان يفضلوا 'الحصول على وقت فراغ أكثر من تفضيلهم الحصول على زيادة في الدخل'! علما بأن معظم من أيد هذا الاقتراح كان من الادارات العليا والمتوسطة والمهنيين، وليس صغار العمال الكادحين فقط.
للكاتب الشاب/ محمد النغيمش
كاتب متخصص في الادارة
http://nughaimish.com