متدرب أصيل
عضو مميز
- التسجيل
- 25 يناير 2008
- المشاركات
- 3,277
الجدل الدائر حول رفع سقف الاقتراض فى الولايات المتحدة.. المعنى والمغزى
مع اقتراب الموعد النهائي للتوصل إلى صيغة مرضية للميزانية السنوية الأمريكية فى الثانى من أغسطس القادم، عرض الرئيس الأمريكي باراك اوباما على خصومه الجمهوريين تخفيضات في الإنفاق الحكومي تبلغ نحو 4 مليار دولار تمتد على مدى عقد من الزمن، مترافقة مع إعادة هيكلة البرامج الاجتماعية الأساسية التي تعتبر مقدسة بالنسبة للوسط الديمقراطي - الضمان الاجتماعي والرعاية الصحية.
إلا أن زعيم الأغلبية الجمهوري ورئيس مجلس النواب، جون بينر، فضل التضحية بالتوصل إلى اتفاق زاعما أن التخفيضات ستأتي على حساب مصالح كبار الأثرياء وشركات النفط والطاقة... الأمر الذي دفع العالم الاقتصادي الحائز على جائزة نوبل ستيفن ستيجليتز، بوصف الحزب بأنه "يشكل واحد فى المائة، ويمثل واحد فى المائة، من أجل واحد فى المائة من السكان".
تجدر الإشارة إلى الحقائق الاقتصادية التي تدل على أن نسبة الدخل القومي الأمريكي المتحقق من إيرادات قطاع الشركات لا يمثل سوى 9ر8 فى المائة من مجمل الدخل لعام 2010، مقارنة مع ما كان يمثله في عقد الخمسينيات من القرن الماضى والذي بلغ نحو 6ر27 من مجمل الإيرادات الفيدرالية.
كما أن مستوى الضرائب الفردية على الشريحة الأكثر ثراء في المجتمع الأمريكي هي الأكثر انخفاضا حاليا عما كانت عليه منذ 75 عاما.. ولا يجوز إغفال دور المؤسسات الإعلامية المختلفة في توجيه القطاعات الشعبية وتركيز تغطيتها، ومن ثم المسئولية، على الإنفاق الحكومي في مجالات الرعاية الاجتماعية والصحية.
أما مبدأ "رفع سقف الاقتراض الفيدرالي" فهو حديث العهد ولا يتعدى عقد من الزمن.. ومنذ عام 1917 خول الكونجرس وزارة المالية التصرف الحصري بمسألة الاقتراض إدراكا منه آنذاك أن الجهاز التنفيذي بحاجة إلى اتخاذ قرارات صرف مالية سريعة لتمويل الجهود الحربية المختلفة، لكن الكونجرس حدد سقفا معينا للاقتراض، وهو ما يجري الجدل بشأنه حاليا.. وتشير الدلائل إلى أن سقف الدين الفيدرالي استمر بالاطراد ارتفاعا منذ حقبة ثلاثينيات القرن الماضي، في عهد هيربرت هوفر، إلى أن بلغ مستواه الحالي نحو 294ر14 تريليون دولار.
ومن المفارقات التاريخية أن الفريقين الامريكيين ، الديمقراطي والجمهوري، تبادلا المواقع حاليا فيما يخص مسألة رفع سقف الاقتراض: إذ عارضه أوباما وحزبه أبان فترة حكم الرئيس جورج بوش الابن، وأيده الحزب الجمهوري دون ضجيج يذكر.. ويزداد الأمر تعقيدا مع اقتراب الانتخابات الرئاسية المقبلة، إضافة إلى عدة عوامل أخرى تسهم في تعقيد المفاوضات بين الجانبين .
فالإدارة الامريكية الحالية، بدأت تعبر عن قلقها من الضغوط السياسية في ظل ركود اقتصادي ورثته ومن غير المتوقع الخروج من مأزقه في المدى المنظور.. كما أن معدلات البطالة والقلق منها في ارتفاع متزايد.. وإن صحت توقعات مراكز استطلاعات الرأي، فهي تشير إلى انعدام الثقة فى الحزب الديمقراطي لحل الأزمة الاقتصادية وترجيح كفة خصمه الجمهوري..
وتمثل رغبة أوباما في رفع السقف 4ر2 تريليون دولار إضافية مغامرة حقيقية قد تكلفه الانتخابات، لكنه بحاجة ماسة إلى المبالغ لإبقاء مستويات الصرف الحالية على ما هي عليها وضمان تأييد قاعدته الانتخابية.. أما المسألة المركزية في نظر البعض فهي أن أوباما قد أقر بإجراء تخفيضات في الإنفاق الحكومي مقابل زيادة الضرائب على الشريحة الأكثر ثراء في المجتمع، الأمر الذي يعتبره الجمهوريون أمرا مقدسا وهم الذين حرضوا قواعدهم الانتخابية على انه لن تكون هناك زيادات ضريبة.
أما بالنسبة لزعامة مجلس النواب الامريكى ، فقد ربح الحزب الجمهوري زعامة المجلس بناء على تعهداته الانتخابية بعدم فرض زيادة ضريبية، وهو الآن أمام استحقاق الوفاء بذلك أو تعريض الأداء الحكومي وتوجيه اللوم لهم.. وعليه، تسعى الزعامات الجمهورية إلى كسب اكبر قدر من التنازلات من الرئيس أوباما لخفض الإنفاق الحكومي على البرامج الاجتماعية والتربوية قبل التوقيع على الاتفاقية.
وفيما يتعلق بتردد الديمقراطيين فى مجلس الشيوخ، فليس سرا أن بعض الزعامات من الديمقراطيين تنظر بقلق بالغ لمستقبلها السياسي في انتخابات العام المقبل، خاصة وأن موافقتهم على زيادة الضرائب في ظل أجواء سنة انتخابية سيكون لها انعكاسات كارثية عليهم.. وعليه، قد لا تستطيع أو حتى ترغب زعامات الديمقراطيين في مجلس الشيوخ فى الموافقة على خطة أوباما بزيادة الضرائب.
وفيما يتعلق بتردد زعامات الجمهوريين فى مجلس النواب، فلا يبدي الكثير من النواب الجمهوريين رغبة في التوصل إلى اتفاق مع نظرائهم الديمقراطيين لنفس الأسباب، خاصة وأن الاستطلاعات الأولية تشير إلى عدم حماس الجمهور الاميركي لزيادة سقف الاقتراض.. وبالمقابل، يظهرون إصرارا غير عادي للمطالبة بتمرير مادة لاحقة بالدستور تنص على الالتزام بميزانية سنوية خالية من الديون.
ويحرص زعماء الحزب الجمهوري المخضرمين فى مجلس الشيوخ الأمريكي على عدم المساس بسمعة الحزب وبرنامجه، مع الإقرار بأن إبرام صفقة ما مع نظرائهم الديمقراطيين لا بد منها، عاجلا أم آجلا. ورافق هذا الصخب وتبادل الاتهامات، خشية بعضهم من نجاح الرئيس أوباما في إلقاء اللوم على الجمهوريين لتفاقم الأزمة، ولذلك حذر زعيمهم السيناتور ميتش ماكونل من التمادي في تبادل الاتهامات والموافقة على بعض الزيادات المدروسة في رفع سقف الاقتراض.. وعلقت صحيفة "نيويورك تايمز" فى افتتاحيتها على ذلك بالقول إن ماكونل يخشى أن يؤدي تفاقم الأزمة إلى "كشف الدور الهائل للحزب الجمهوري في صنع الأزمة الاقتصادية".
أما بالنسبة للناخب الأمريكي، فقد أدى تفاقم الأزمة الاقتصادية وتراجع أوباما عن تعهداته الانتخابية في حربي العراق وأفغانستان إلى تضاؤل الدعم في قاعدته الانتخابية، خاصة وأن البعض منهم يعارض زيادة الضرائب بشدة مما قد يدفع بهم إلى تأييد الحزب الجمهوري.. الأمر الذي يحفز أوباما إلى إحراز اتفاق حول الأزمة ليتم تسويقه على انه خطوة كبيرة في طريق الإصلاح.
والتوصل إلى صيغة اتفاق ما بين الطرفين الديمقراطي والجمهوري أمر مفروغ منه، إذ لا يرغب أي منهما فى تعريض الميزانية ورفع سقف الدين إلى مصاف الجدل السياسي،الذي انكشف أمره.. ومن المرجح أن يتم التوصل إلى رفع السقف بنسبة اقل بعض الشيء مما طالب به الرئيس أوباما، لكنها كافية لمواصلة برامج الإنفاق الراهنة، ويخشى الحزب الديمقراطي تطور المسألة إلى موضوع رائج بين الناخبين في ظل أجواء انتخابية حامية الوطيس.
المصدر: وكالة أنباء الشرق الأوسط
مع اقتراب الموعد النهائي للتوصل إلى صيغة مرضية للميزانية السنوية الأمريكية فى الثانى من أغسطس القادم، عرض الرئيس الأمريكي باراك اوباما على خصومه الجمهوريين تخفيضات في الإنفاق الحكومي تبلغ نحو 4 مليار دولار تمتد على مدى عقد من الزمن، مترافقة مع إعادة هيكلة البرامج الاجتماعية الأساسية التي تعتبر مقدسة بالنسبة للوسط الديمقراطي - الضمان الاجتماعي والرعاية الصحية.
إلا أن زعيم الأغلبية الجمهوري ورئيس مجلس النواب، جون بينر، فضل التضحية بالتوصل إلى اتفاق زاعما أن التخفيضات ستأتي على حساب مصالح كبار الأثرياء وشركات النفط والطاقة... الأمر الذي دفع العالم الاقتصادي الحائز على جائزة نوبل ستيفن ستيجليتز، بوصف الحزب بأنه "يشكل واحد فى المائة، ويمثل واحد فى المائة، من أجل واحد فى المائة من السكان".
تجدر الإشارة إلى الحقائق الاقتصادية التي تدل على أن نسبة الدخل القومي الأمريكي المتحقق من إيرادات قطاع الشركات لا يمثل سوى 9ر8 فى المائة من مجمل الدخل لعام 2010، مقارنة مع ما كان يمثله في عقد الخمسينيات من القرن الماضى والذي بلغ نحو 6ر27 من مجمل الإيرادات الفيدرالية.
كما أن مستوى الضرائب الفردية على الشريحة الأكثر ثراء في المجتمع الأمريكي هي الأكثر انخفاضا حاليا عما كانت عليه منذ 75 عاما.. ولا يجوز إغفال دور المؤسسات الإعلامية المختلفة في توجيه القطاعات الشعبية وتركيز تغطيتها، ومن ثم المسئولية، على الإنفاق الحكومي في مجالات الرعاية الاجتماعية والصحية.
أما مبدأ "رفع سقف الاقتراض الفيدرالي" فهو حديث العهد ولا يتعدى عقد من الزمن.. ومنذ عام 1917 خول الكونجرس وزارة المالية التصرف الحصري بمسألة الاقتراض إدراكا منه آنذاك أن الجهاز التنفيذي بحاجة إلى اتخاذ قرارات صرف مالية سريعة لتمويل الجهود الحربية المختلفة، لكن الكونجرس حدد سقفا معينا للاقتراض، وهو ما يجري الجدل بشأنه حاليا.. وتشير الدلائل إلى أن سقف الدين الفيدرالي استمر بالاطراد ارتفاعا منذ حقبة ثلاثينيات القرن الماضي، في عهد هيربرت هوفر، إلى أن بلغ مستواه الحالي نحو 294ر14 تريليون دولار.
ومن المفارقات التاريخية أن الفريقين الامريكيين ، الديمقراطي والجمهوري، تبادلا المواقع حاليا فيما يخص مسألة رفع سقف الاقتراض: إذ عارضه أوباما وحزبه أبان فترة حكم الرئيس جورج بوش الابن، وأيده الحزب الجمهوري دون ضجيج يذكر.. ويزداد الأمر تعقيدا مع اقتراب الانتخابات الرئاسية المقبلة، إضافة إلى عدة عوامل أخرى تسهم في تعقيد المفاوضات بين الجانبين .
فالإدارة الامريكية الحالية، بدأت تعبر عن قلقها من الضغوط السياسية في ظل ركود اقتصادي ورثته ومن غير المتوقع الخروج من مأزقه في المدى المنظور.. كما أن معدلات البطالة والقلق منها في ارتفاع متزايد.. وإن صحت توقعات مراكز استطلاعات الرأي، فهي تشير إلى انعدام الثقة فى الحزب الديمقراطي لحل الأزمة الاقتصادية وترجيح كفة خصمه الجمهوري..
وتمثل رغبة أوباما في رفع السقف 4ر2 تريليون دولار إضافية مغامرة حقيقية قد تكلفه الانتخابات، لكنه بحاجة ماسة إلى المبالغ لإبقاء مستويات الصرف الحالية على ما هي عليها وضمان تأييد قاعدته الانتخابية.. أما المسألة المركزية في نظر البعض فهي أن أوباما قد أقر بإجراء تخفيضات في الإنفاق الحكومي مقابل زيادة الضرائب على الشريحة الأكثر ثراء في المجتمع، الأمر الذي يعتبره الجمهوريون أمرا مقدسا وهم الذين حرضوا قواعدهم الانتخابية على انه لن تكون هناك زيادات ضريبة.
أما بالنسبة لزعامة مجلس النواب الامريكى ، فقد ربح الحزب الجمهوري زعامة المجلس بناء على تعهداته الانتخابية بعدم فرض زيادة ضريبية، وهو الآن أمام استحقاق الوفاء بذلك أو تعريض الأداء الحكومي وتوجيه اللوم لهم.. وعليه، تسعى الزعامات الجمهورية إلى كسب اكبر قدر من التنازلات من الرئيس أوباما لخفض الإنفاق الحكومي على البرامج الاجتماعية والتربوية قبل التوقيع على الاتفاقية.
وفيما يتعلق بتردد الديمقراطيين فى مجلس الشيوخ، فليس سرا أن بعض الزعامات من الديمقراطيين تنظر بقلق بالغ لمستقبلها السياسي في انتخابات العام المقبل، خاصة وأن موافقتهم على زيادة الضرائب في ظل أجواء سنة انتخابية سيكون لها انعكاسات كارثية عليهم.. وعليه، قد لا تستطيع أو حتى ترغب زعامات الديمقراطيين في مجلس الشيوخ فى الموافقة على خطة أوباما بزيادة الضرائب.
وفيما يتعلق بتردد زعامات الجمهوريين فى مجلس النواب، فلا يبدي الكثير من النواب الجمهوريين رغبة في التوصل إلى اتفاق مع نظرائهم الديمقراطيين لنفس الأسباب، خاصة وأن الاستطلاعات الأولية تشير إلى عدم حماس الجمهور الاميركي لزيادة سقف الاقتراض.. وبالمقابل، يظهرون إصرارا غير عادي للمطالبة بتمرير مادة لاحقة بالدستور تنص على الالتزام بميزانية سنوية خالية من الديون.
ويحرص زعماء الحزب الجمهوري المخضرمين فى مجلس الشيوخ الأمريكي على عدم المساس بسمعة الحزب وبرنامجه، مع الإقرار بأن إبرام صفقة ما مع نظرائهم الديمقراطيين لا بد منها، عاجلا أم آجلا. ورافق هذا الصخب وتبادل الاتهامات، خشية بعضهم من نجاح الرئيس أوباما في إلقاء اللوم على الجمهوريين لتفاقم الأزمة، ولذلك حذر زعيمهم السيناتور ميتش ماكونل من التمادي في تبادل الاتهامات والموافقة على بعض الزيادات المدروسة في رفع سقف الاقتراض.. وعلقت صحيفة "نيويورك تايمز" فى افتتاحيتها على ذلك بالقول إن ماكونل يخشى أن يؤدي تفاقم الأزمة إلى "كشف الدور الهائل للحزب الجمهوري في صنع الأزمة الاقتصادية".
أما بالنسبة للناخب الأمريكي، فقد أدى تفاقم الأزمة الاقتصادية وتراجع أوباما عن تعهداته الانتخابية في حربي العراق وأفغانستان إلى تضاؤل الدعم في قاعدته الانتخابية، خاصة وأن البعض منهم يعارض زيادة الضرائب بشدة مما قد يدفع بهم إلى تأييد الحزب الجمهوري.. الأمر الذي يحفز أوباما إلى إحراز اتفاق حول الأزمة ليتم تسويقه على انه خطوة كبيرة في طريق الإصلاح.
والتوصل إلى صيغة اتفاق ما بين الطرفين الديمقراطي والجمهوري أمر مفروغ منه، إذ لا يرغب أي منهما فى تعريض الميزانية ورفع سقف الدين إلى مصاف الجدل السياسي،الذي انكشف أمره.. ومن المرجح أن يتم التوصل إلى رفع السقف بنسبة اقل بعض الشيء مما طالب به الرئيس أوباما، لكنها كافية لمواصلة برامج الإنفاق الراهنة، ويخشى الحزب الديمقراطي تطور المسألة إلى موضوع رائج بين الناخبين في ظل أجواء انتخابية حامية الوطيس.
المصدر: وكالة أنباء الشرق الأوسط