كازينو الكويت للأوراق المالية.. «المقامرة» شرعية!
Sunday, 26 أكتوبر 2008
أحمد بومرعي
عاد الجدل حول البورصة: هل هي كازينو للمقامرة محرّم شرعاً، ام سوق لتداول السلع الحلال؟ الجدل عاد بعد أن استفزت كلمة وزير التجارة والصناعة أحمد باقر المتعاملين بالأوراق المالية بقوله «إن الفريق الحكومي المكلف إنقاذ انهيار البورصة صرف الأموال من أجل مغامرين»، كما نشرت الصحف امس. طبعا كلام الوزير، رغم نفيه له وقوله أنه تم اقتطاعه من سياق كلامه، ولّع السوق وفتح الملف الاكثر حساسية والمسكوت عنه. اذ يمكنك أن تفتي بأي شيء وتحرم أي شيء، خصوصا في هذه الأوقات التي يكثر فيها الافتاء والتحريم، لكن اياك أن تقترب من الأسهم، لأنها اللعبة الاكثر ارتباطا بالساعين الى الثروة السريعة، وأي مساس بها يعني فقدان أهم مورد من موارد المدخول للمواطنين والمقيمين في الخليج.. لكن باقر اقترب، وقلب الدنيا عليه، من النواب والشعب. والمفارقة العجيبة في الموضوع أن الوزير يتحدث عن الفريق الحكومي، وكأنه من خارج الحكومة، حتى أنه المعني الرئيسي بالفريق، ما يفتح التساؤل: هل كان يأخذ قرارات تعارض قناعاته؟! ولكي لا ينحصر الموضوع بكلام الوزير، لكون الموضوع أكبر من ذلك، حيث يدخل فيه صراع الاقتصادين الليبرالي والاسلامي، وأيهما أحق بالبقاء (خصوصا أن الاسلاميين انتعشوا هذه الايام لفشل الليبراليين بحل الأزمة المالية العالمية)، يبدو من الضروري التذكير بأنها ليست المرة الاولى التي يفتي فيها باقر بالحرام والحلال.. ففي مجلس الامة السابق، عندما كان رئيسا للجنة المالية والاقتصادية البرلمانية، وقف موقفا معارضا لقضية شراء القروض، حتى أنه أفتى بحرمة شرائها، وهو ما جعل الشارع يتحدث وقتذاك بأن باقر «عدو القضايا الشعبية، ومناصر للتجار»، على اعتبار أن قضية القروض ضربت البنوك بشكل أساسي. اذاً، تعود الفتوى الجديدة اليوم لباقر بوصف المتعاملين بالمغامرين، أي بمعنى آخر مقامرين، وهي ضربة جديدة لغالبية الناس المتعاملين في البورصة، وضربة أخرى لتيار باقر السلفي، ومن خلفه المطالبون بأسلمة السوق. السلف والاسلاميون، وخصوصا السياسيين والتجار منهم، كانوا ساكتين عن الملف، ليس لاقتناعهم بأن التعامل في الأسهم حلال، بل، حسب ما يرى كثيرون، لأن شركاتهم مدرجة في البورصة، وأي فتوى ضد السوق المالي، تعني ضرب شركاتهم قبل غيرها.
فليس غريبا في هذا السياق، مثلا، أن يصدر التجمع الاسلامي السلفي، الذي يرأسه النائب خالد السلطان، بيانا ينتقد فيه «فشل الحكومة في معالجة الأزمة الاقتصادية.. خصوصا في ما يخص توفير السيولة لشركات الاستثمار».. وهو بيان فسره البعض بأنه تنصّل «السلف» من «زلات» باقر التي تخسرهم الشارع دائما، في وقت اعتبره آخرون تناقضا مع توجهات السلف الممثلين بالحكومة.. لكن بين هذا وذاك، ثمة اقرار من «السلف»، بمعنى أو بآخر، بأن التداول في الاسهم حلال، لأنه طالب الحكومة بتوفير السيولة للسوق، وتحديدا لأسهم شركات الاستثمار، من دون أن يحددوا اذا ما كانت الشركات إسلامية أو تقليدية، وهو ما يعني صك براءة لكل الشركات. وبالمناسبة هنا، كان بعض الاسلاميين يفصلون بين الشركات، وبعضهم يشرّع التداول، لكي لا نقول المضاربة، على الاسهم الاسلامية، بينما يحرّمها على التقليدية.
وهذه الفتوى، بشرعية التداول بالأسهم الاسلامية، فتحت على الاسلاميين النار والعدائية من الشركات التقليدية، التي اتهمتهم بأنهم «يستغلون الدين من أجل مقاصد تجارية، وأنهم يحرضون الشارع ضدهم».
ولأن المد الاسلامي مسيطر على الشارع، كان من الطبيعي أن يمنع التجار الليبراليون اي مرور لفتاوى نظرائهم الاسلاميين، وهذا يفسر الحملة الاعلامية للتجار على أي عبارة تخرج من اسلامي، وزيرا كان أو تاجرا أو الاثنين معا.. لكن، ورغم عدائية التجار الليبراليين لنظرائهم، ثمة اذعان مبطن لقوة التيار الاسلامي بشقيه السلفي والاخواني، حيث يلاحظ طلبات تحول الشركات من التقليدية الى الاسلامية، وعلى رأسها التحول الاخير لبنك الكويت والشرق الاوسط، مقابل انتظار البنك التجاري موافقة البنك المركزي على طلبه بالتحول لبنك اسلامي، في وقت ينتظر بنك الكويت الوطني موافقة اخرى على فتح فرع للخدمات الاسلامية.
لكن يبدو أن على الليبراليين اليوم مراجعة حساباتهم.. فأمام هذا الصراع الاسلامي-الليبرالي، العائد بقوة من باب الاستثمار بالاسهم والمضاربة فيها، ثمة حقيقة ظهرت حتى الآن، من الفزعة الشعبية، ممثلة بمظاهرة المتداولين ورفعهم يافطة تندد بكلام باقر، ومن الحملة النيابية على الاخير، بأن سوق المال خط أحمر لا يجوز عبور أي فتوى من خلاله، وأن أي حديث عن المضاربة في الاسهم «أو المقامرة»، كما يسميها بعض الاسلاميين، ممنوع منعا باتا، في سيناريو يفترض أن يفتح عين الليبراليين من جديد، لأن المشهد الشعبي والنيابي أكد بشكل أو بآخر فوزا لهم على الاسلاميين، ويفترض أيضا أن يعيد حسابات الساعين الى أسلمة تجارتهم، اذ يبدو أن قاصدي الإثراء يريدون العبور الى مقصدهم، إسلامياً كان أو ليبرالياً، وهذا الامر يفترض العمل عليه جيدا لتوفير سبل الثراء، للفوز بأكبر قطعة من السوق!!
Sunday, 26 أكتوبر 2008
أحمد بومرعي
عاد الجدل حول البورصة: هل هي كازينو للمقامرة محرّم شرعاً، ام سوق لتداول السلع الحلال؟ الجدل عاد بعد أن استفزت كلمة وزير التجارة والصناعة أحمد باقر المتعاملين بالأوراق المالية بقوله «إن الفريق الحكومي المكلف إنقاذ انهيار البورصة صرف الأموال من أجل مغامرين»، كما نشرت الصحف امس. طبعا كلام الوزير، رغم نفيه له وقوله أنه تم اقتطاعه من سياق كلامه، ولّع السوق وفتح الملف الاكثر حساسية والمسكوت عنه. اذ يمكنك أن تفتي بأي شيء وتحرم أي شيء، خصوصا في هذه الأوقات التي يكثر فيها الافتاء والتحريم، لكن اياك أن تقترب من الأسهم، لأنها اللعبة الاكثر ارتباطا بالساعين الى الثروة السريعة، وأي مساس بها يعني فقدان أهم مورد من موارد المدخول للمواطنين والمقيمين في الخليج.. لكن باقر اقترب، وقلب الدنيا عليه، من النواب والشعب. والمفارقة العجيبة في الموضوع أن الوزير يتحدث عن الفريق الحكومي، وكأنه من خارج الحكومة، حتى أنه المعني الرئيسي بالفريق، ما يفتح التساؤل: هل كان يأخذ قرارات تعارض قناعاته؟! ولكي لا ينحصر الموضوع بكلام الوزير، لكون الموضوع أكبر من ذلك، حيث يدخل فيه صراع الاقتصادين الليبرالي والاسلامي، وأيهما أحق بالبقاء (خصوصا أن الاسلاميين انتعشوا هذه الايام لفشل الليبراليين بحل الأزمة المالية العالمية)، يبدو من الضروري التذكير بأنها ليست المرة الاولى التي يفتي فيها باقر بالحرام والحلال.. ففي مجلس الامة السابق، عندما كان رئيسا للجنة المالية والاقتصادية البرلمانية، وقف موقفا معارضا لقضية شراء القروض، حتى أنه أفتى بحرمة شرائها، وهو ما جعل الشارع يتحدث وقتذاك بأن باقر «عدو القضايا الشعبية، ومناصر للتجار»، على اعتبار أن قضية القروض ضربت البنوك بشكل أساسي. اذاً، تعود الفتوى الجديدة اليوم لباقر بوصف المتعاملين بالمغامرين، أي بمعنى آخر مقامرين، وهي ضربة جديدة لغالبية الناس المتعاملين في البورصة، وضربة أخرى لتيار باقر السلفي، ومن خلفه المطالبون بأسلمة السوق. السلف والاسلاميون، وخصوصا السياسيين والتجار منهم، كانوا ساكتين عن الملف، ليس لاقتناعهم بأن التعامل في الأسهم حلال، بل، حسب ما يرى كثيرون، لأن شركاتهم مدرجة في البورصة، وأي فتوى ضد السوق المالي، تعني ضرب شركاتهم قبل غيرها.
فليس غريبا في هذا السياق، مثلا، أن يصدر التجمع الاسلامي السلفي، الذي يرأسه النائب خالد السلطان، بيانا ينتقد فيه «فشل الحكومة في معالجة الأزمة الاقتصادية.. خصوصا في ما يخص توفير السيولة لشركات الاستثمار».. وهو بيان فسره البعض بأنه تنصّل «السلف» من «زلات» باقر التي تخسرهم الشارع دائما، في وقت اعتبره آخرون تناقضا مع توجهات السلف الممثلين بالحكومة.. لكن بين هذا وذاك، ثمة اقرار من «السلف»، بمعنى أو بآخر، بأن التداول في الاسهم حلال، لأنه طالب الحكومة بتوفير السيولة للسوق، وتحديدا لأسهم شركات الاستثمار، من دون أن يحددوا اذا ما كانت الشركات إسلامية أو تقليدية، وهو ما يعني صك براءة لكل الشركات. وبالمناسبة هنا، كان بعض الاسلاميين يفصلون بين الشركات، وبعضهم يشرّع التداول، لكي لا نقول المضاربة، على الاسهم الاسلامية، بينما يحرّمها على التقليدية.
وهذه الفتوى، بشرعية التداول بالأسهم الاسلامية، فتحت على الاسلاميين النار والعدائية من الشركات التقليدية، التي اتهمتهم بأنهم «يستغلون الدين من أجل مقاصد تجارية، وأنهم يحرضون الشارع ضدهم».
ولأن المد الاسلامي مسيطر على الشارع، كان من الطبيعي أن يمنع التجار الليبراليون اي مرور لفتاوى نظرائهم الاسلاميين، وهذا يفسر الحملة الاعلامية للتجار على أي عبارة تخرج من اسلامي، وزيرا كان أو تاجرا أو الاثنين معا.. لكن، ورغم عدائية التجار الليبراليين لنظرائهم، ثمة اذعان مبطن لقوة التيار الاسلامي بشقيه السلفي والاخواني، حيث يلاحظ طلبات تحول الشركات من التقليدية الى الاسلامية، وعلى رأسها التحول الاخير لبنك الكويت والشرق الاوسط، مقابل انتظار البنك التجاري موافقة البنك المركزي على طلبه بالتحول لبنك اسلامي، في وقت ينتظر بنك الكويت الوطني موافقة اخرى على فتح فرع للخدمات الاسلامية.
لكن يبدو أن على الليبراليين اليوم مراجعة حساباتهم.. فأمام هذا الصراع الاسلامي-الليبرالي، العائد بقوة من باب الاستثمار بالاسهم والمضاربة فيها، ثمة حقيقة ظهرت حتى الآن، من الفزعة الشعبية، ممثلة بمظاهرة المتداولين ورفعهم يافطة تندد بكلام باقر، ومن الحملة النيابية على الاخير، بأن سوق المال خط أحمر لا يجوز عبور أي فتوى من خلاله، وأن أي حديث عن المضاربة في الاسهم «أو المقامرة»، كما يسميها بعض الاسلاميين، ممنوع منعا باتا، في سيناريو يفترض أن يفتح عين الليبراليين من جديد، لأن المشهد الشعبي والنيابي أكد بشكل أو بآخر فوزا لهم على الاسلاميين، ويفترض أيضا أن يعيد حسابات الساعين الى أسلمة تجارتهم، اذ يبدو أن قاصدي الإثراء يريدون العبور الى مقصدهم، إسلامياً كان أو ليبرالياً، وهذا الامر يفترض العمل عليه جيدا لتوفير سبل الثراء، للفوز بأكبر قطعة من السوق!!