عملية إسقاط القروض عن المواطنين، ستنعكس بالإيجاب على كل من المواطن المقترِض البسيط، من جهة، بسبب إسقاط قرضه عنه، والشركات والبنوك، من جهة أخرى، بسبب امتلاء كيسها من جديد.
الأزمة الاقتصادية العالمية، وإن كانت بداياتها أزمة ثقة بالدرجة الأولى، إلا أن الأزمة الناتجة عن عدم ثقة المستثمرين، قد كبرت ككرة ثلج منحدرة عن جبل شاهق، لتسقط في وادٍ سحيق، في نهاية المطاف؛ قد أخذت أبعادا أخرى خطيرة في الوقت الراهن!
الأزمة اليوم، وبعد انهيار كبريات شركات الاستثمار المحلية، بسبب وجود أزمة سيولة خانقة لدى غالبيتها، وفي الواقع لدى أكثرها «شطارة» اقتصاديا واستثماريا، قد أضحى لها وجه آخر جديد، وجه مخيف، هو افتقار غالبية تلك الشركات الاستثمارية المحلية إلى كلمة السر، وهي.. «السيولة».
المواطنون العاديون، وبالتالي أغلبية أعضاء مجلس الأمة الذين يبحثون، بطبيعة الحال، عن مصالح مَن أوصلهم إلى الكرسي الأخضر الوثير، لن يرضوا اليوم بـ «إنقاذ» شركات «التجار» الذين أصبح بينهم وبين المواطن «مشكلة عدم ارتياح» ناتجة عن وقوف التجار «البارحة» ضد مصلحة المواطن البسيط، وذلك عندما اتحد التجار والحكومة معا، لرفض قانون «إسقاط القروض» في المرحلة الأولى، ثم وقف التجار والحكومة، مجددا، ضد هذا المواطن المقترِض البسيط، في قانون «إعادة جدولة القروض» أيضا، مما أدى إلى وقوف المواطن البسيط، في جانب، ونوابه، في جانب مقابل، ضد قوانين «خدمة التجار»، تلك القوانين المعروضة اليوم لـ «مساعدة» شركات الاستثمار على النهوض من كبوتها، تلك الكبوة التي لم تنتج، في واقع الأمر، إلا عن سوء إدارة مجالس إدارات معظم تلك الشركات، واستثمارها في استثمارات فاشلة، لم تؤدِّ إلى ضياع أرباح الشركات الاستثمارية فحسب، بل أدَّت، كذلك، إلى خسائرها المليونية التي تقض مضاجعها، هذه الأيام، لدرجة أنها لا تلقى مَن يقوم حتى بإقراضها.. لعلها تبدأ مِن جديد!
اليوم، واليوم بالذات، «يجب» إعادة فتح ملف «إسقاط القروض» من جديد. فالبنوك، وشركات الاستثمار، عندما وقفت ضد قانوني إسقاط القروض، أو إعادة جدولتها، من قبل، كانت «مشكلتها» تتمثل في عدم رغبتها في خسارة الفوائد التي كانت ستسقط عن المواطن المقترِض البسيط! أما اليوم، فمشكلة الشركات الاستثمارية هي.. السيولة! وهذه السيولة موجودة عند «ماما الحكومة»!
فإذا افترضنا أن «ماما» قامت بدفع السيولة للبنوك، ولشركات الاستثمار، دفعة واحدة، عن المواطن البسيط، فإن مشكلة البنوك وشركات الاستثمار ستُحل تلقائيا، عبر قيام البنوك وشركات الاستثمار بـ «صَبّ» هذه الأموال الكبيرة على الأسهم المحلية (!)، كإجراء استثماري بحت بقصد الربح، حيث إن تلك الأسهم قد بلغت مستويات هي أكثر من ممتازة للشراء!
وهنالك جانب آخر يجب أن ننتبه له جميعا، في حال إسقاط قروض المواطنين، وذلك الجانب يتمثّل في أن المواطن البسيط، وعندما «يرتاح» من أعبائه المالية القديمة، ربما يلجأ إلى الاقتراض من جديد، وفي تلك الحال، لا أنصح المشرِّعين بوضع العصا في دواليبه، لأن المقترضين سيلجأون إلى أحد أمرين، كلاهما خير، إما إلى الإنفاق الاستهلاكي، وهذا جيد للشركات، وإما إلى الإنفاق الاستثماري، وهذا جيد للمواطنين.. وللأسواق.. أيضا!
والنتيجة الكلية لهذه العملية، عملية إسقاط القروض عن المواطنين، ستنعكس بالإيجاب على كلٍّ من المواطن المقترِض البسيط، من جهة، بسبب إسقاط قرضه عنه، والشركات والبنوك، من جهة أخرى، بسبب امتلاء كيسها من جديد.. وبالذات عند الأسعار الحالية في السوق! فهل سنفكِّر، هذه المرة، بشكل صحيح، يخدم طرفي المعادلة، وينقذ الاقتصاد الوطني من انهيار حتمي؟! سؤال جوابه عند..؟
drjr68@yahoo.com
http://www.aldaronline.com/AlDar/AlDarPortal/UI/Article.aspx?ArticleID=33174