Packard Bell
عضو مميز
قال تعالى : " يُوسُفُ أَيُّهَا الصِّدِّيقُ أَفْتِنَا فِي سَبْعِ بَقَرَاتٍ سِمَانٍ يَأْكُلُهُنَّ سَبْعٌ عِجَافٌ وَسَبْعِ سُنبُلاَتٍ خُضْرٍ وَأُخَرَ يَابِسَاتٍ لَّعَلِّي أَرْجِعُ إِلَى النَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَعْلَمُونَ (46) قَالَ تَزْرَعُونَ سَبْعَ سِنِينَ دَأَبًا فَمَا حَصَدتُّمْ فَذَرُوهُ فِي سُنبُلِهِ إِلاَّ قَلِيلاً مِّمَّا تَأْكُلُونَ (47) ثُمَّ يَأْتِي مِن بَعْدِ ذَلِكَ سَبْعٌ شِدَادٌ يَأْكُلْنَ مَا قَدَّمْتُمْ لَهُنَّ إِلاَّ قَلِيلاً مِّمَّا تُحْصِنُونَ (48)ثُمَّ يَأْتِي مِن بَعْدِ ذَلِكَ عَامٌ فِيهِ يُغَاثُ النَّاسُ وَفِيهِ يَعْصِرُونَ. (49) " سورة يوسف
لبث يوسف عليه السلام في السجن المظلم بضع سنين كأي إنسان مظلوم منسيّ، ولم يكن لديه من عمل إلاّ إرشاد السجناء وعيادة مرضاهم وتسلية الموجَعين منهم والدعوة إلى الله الواحد القهار حتّى غيّرت (حظّه وطالعه) حادثة صغيرة بحسب الظاهر.ولم تغيّر هذه االظاهرة حظّه فحسب، بل حظّ اُمّة مصر وما حولها.
أرسل له الملك من يقول له: “يُوسُفُ أَيهَا الصديقُ أَفْتِنَا فِي سَبْعِ بَقَرَاتٍ سِمَانٍ يَأْكُلُهُن سَبْعٌ عِجَافٌ وَسَبْعِ سُنبُلاَتٍ خُضْرٍ وَأُخَرَ يَابِسَاتٍ لعَلي أَرْجِعُ إِلَى الناسِ لَعَلهُمْ يَعْلَمُونَ قَالَ تَزْرَعُونَ سَبْعَ سِنِينَ دَأَبًا فَمَا حَصَدتمْ فَذَرُوهُ فِي سُنبُلِهِ إِلا قَلِيلاً مما تَأْكُلُونَ” (يوسف 46- 47).
كم كان تعبير يوسف لهذه الرؤيا دقيقاً ومحسوباً، حيث كانت البقرة في الأساطير القديمة مظهر النعمة والغنى.. وكون البقرات سماناً دليل على كثرة النعمة، وكونها عجافاً دليل على الجفاف والقحط، وهجوم السبع العجاف على السبع السّمان كان دليلا على أن يُستفاد من ذخائر السنوات السابقة.
وفي الحقيقة لم يكن يوسف مفسّراً بسيطاً للأحلام، بل كان قائداً يخطّط من زاوية السجن لمستقبل البلاد، وقد قدّم مقترحاً من عدّة مواد لخمسة عشر عاماً على الأقل، وكما سنرى فإنّ هذا التعبير المقرون بالمقترح للمستقبل حرّك الملك وحاشيته وكان سبباً لإنقاذ أهل مصر من القحط القاتل من جهة، وأن ينجو يوسف من سجنه وتخرج الحكومة من أيدي الطغاة من جهة أُخرى.
(الجزء الأعلى من المقال، تم نقله بتصرف ولذا اقتضى التنويه)
هذه القصة ما وجدت لتصلنا بهذه الصورة إلا للعضة و الاعتبار وإن اختلفت الشخوص في كل زمن لكنها سنة الحياة، لا جديد فيها سوى سمة التكرار من زمن لآخر. فعلماء العصر الحديث بحثوا ووضعوا المؤلفات في شرح الدورات الاقتصادية ومداها الزمني باعتبارها Cyclical ولكنهم لم يعلموا بأن ما بحثوا فيه موجود في كتاب نزل قبل أكثر من 1400 عام. فقد عاشت الدول المصدرة للنفط ومنها دولتنا الحبيبة الكـويت من نهاية عام 2001 طفرة ارتفاع أسعار النفط وتواكب معها تراكم هائل في الثروات، فبعد أن كانت الأسعار لا تزيد عن 18 دولار نجدها تضاعفت لتصل لـ 146 دولار في منتصف عام 2008. مما يعني أنها أخذت 7 سنوات لتصل للقمة في حين أن هدم هذه المستويات السعرية لم تأخذ سوى 5 شهور ليصل بها لمستويات أسعار ما قبل الطفرة.
يضيق صدري أحينا حين أقرأ التصريحات العنترية من وزراءنا الكرام المعنيين بشأن الاقتصاد، ففي حين نملك ما بين أيدينا رسالة إلهية ونهج اقتصادي مكتمل العناصر ومنها ما يحث على ضرورة رفع مستوى إدارة المخاطر و عدم الإسراف والحث على تبني خطط استراتيجية طويلة المدى للتخفيف من أثر الأزمات الاقتصادية المتتالية ، نجد منهم قصور في تقدير حجم الأزمة الإقتصادية فهذا يريد صرف 40 مليار و الآخر يصرح بأن محفظة السوق ودخولها كان من المفترض أن يأسس لقاع تم كسره لاحقا دون أدنى رحمه.
وللنظر في هذا الموضوع من زاوية أخرى، نجد أن في عهد الرئيس الأمريكي السابق كلينتون وهو من الحزب الديمقراطي تم تبني استراتيجية اصلاح اقتصادي شامل وكان له ذلك حين قام بتبني سياسة إغراق أسواق الطاقة وكانت إحدى استراتيجياته التضحية بأكثر من ثلث المخزون الأمريكي وذلك حتى يسجل له بأنه تم في عهده تسجيل أدنى قاع لأسعار النفط من أكثر من 30 سنة. وفي الجانب الآخر نجد أن جورج بوش وهو من الحزب الجمهوري دخل البيت الأبيض عندما كانت أسعار النفط تقارب ال 30 دولار وحقق النفط قمته في عهده ولكن عند مغادرته كانت الأسعار قد وصلت لنفس مستوياتها عند دخوله، وهذه ليست وليدة الصدفة يا أخوان.
فما الذي اختلف الآن عندما وصل أوباما للسلطة كونه من الحزب الديمقراطي وما هو إلا نسخة معدلة من كلينتون؟ قد يكون وجود عناصر من الحزب الجمهوري في إدارته كضوء خافت لتغيير سلوك ونهج الديمقراطيين ولكنه في الحقيقة لن يغيره أو يحيده عن أسلوبه في الإدارة المقتبسة من مبادئ الحزب الديمقراطي المعنية بإصلاح الاقتصاد وردم وإعادة تأهيل ما أفسده الجمهوريون. فمن تابع إصرار أوباما بوجود هيلاري كلينتون وآخرين من الجمهوريين في حكومته بأنها رغبة منه بمشاركتهم فهو مخطئ، فوجود هؤلاء ما هو إلا استراتيجية سياسية اتخذها أوباما للتخلص من صداع الحروب والتي أوجدتها إدارة بوش السابقة، ولا يوجد أفضل من تطعيم إدارته بعدد من الجمهوريين ليتولوا هذا الملف بعيدا عنه لأن هذه الأمور ليست من أولوياته.
ولهذا أجد من السذاجة وضع بصيص أمل على إدارة أوباما لتقود الانتعاش العالمي لأنه في الوقت الحالي يركز على قضايا جدا مهمة بالنسبة له ولشعبه ويجب الاقرار والتسليم بأن أجندته السياسية لن تتبنى تعبئة خزان أي دولة لتكمل مسيرتها وطريقها بسلام، فالآن هو مشغول بتأمين عكاز لكل مواطن أمريكي معاق حتى يتمكن من التنزه بكل حرية، في حين أن دول أخرى تضع من أولوياتها تأمين خيام وبطانيات وملابس ثقيلة لمواطنيها العرايا.
انتهــى