أن يقترن تقلص الموارد المالية للدول بالمشاكل الاقتصادية أمر لا يشكك كثير من الناس بأنه من المسلمات، أما أن يقترن الارتفاع الحالي الكبير في أسعار النفط، وما يصاحبه من تدفقات للعائدات المالية، بالمشاكل الاقتصادية، فهذا أمر قلما يخطر على بال البشر.
تشهد الدول الخليجية المنتجة للنفط بحبوحة اقتصادية
وبالتزامن مع الارتفاع الكبير في أسعار النفط في الأسواق العالمية، تشهد الدول الخليجية المنتجة للنفط بحبوحة اقتصادية جراء الموارد المالية الهائلة التي تتدفق عليها.
طفرة نفطية ومالية
ويقول الصحفي الاقتصادي إبراهيم خياط إن "أسعار النفط ارتفعت بمقدار يتجاوز 300 في المائة منذ عام 2002، في وقت ارتفع فيه دخل الدول العربية المُصَدِّرَة للنفط من 186 مليار دولار إلى 440 مليار دولار ويُنتَظَر أن يتجاوز هذه السنة عتبة الـ500 مليار دولار".
وقد ساهم ارتفاع الدخل هذا "في تحسين السيولة المتاحة للحكومات".
وانعكاسات هذه الوفرة المالية تتبدى بوضوح من خلال ملاحظة أن دولة خليجية مثل السعودية تمكنت في السنوات الأخيرة من "خفض ديونها، التي كانت تُعادِل 97 في المائة من إجمالي الناتج القومي إلى41 في المائة من إجمالي هذا الناتج"، كما يشير خياط.
ولكن القلق يساور بعض المحللين الاقتصاديين من المخاطر المُحتَمَلَة لتزايد الفوائض المالية وآثارها السلبية على نمط الإنفاق والاستثمار في هذه الدول.
"المرض الهولندي"
ويستعير الاقتصاديون مصطلحات من علم الطب لتوصيف الآثار السلبية لتدفق الثروة، كما هو حال الدكتور أحمد خليل المطوع، الأمين العام لمنظمة الخليج للاستشارات الصناعية، الذي يلاحظ أن "الثروة إذا جاءت بشكل مفاجيء تؤدي إلى آثار سلبية".
ويوضح قائلا: "هناك ما يُسمَّى بـ'المرض الهولندي'، وهو عادة ما يصيب الدول الغنية بالموارد الطبيعية، وخصوصا عندما ترتفع أسعار هذه الموارد الطبيعية".
ويتابع: "وعندما تحدث طفرة، فإن الصناعة والزراعة هما القطاعان اللذان يتأثران سلبا ويتوسع قطاع الخدمات".
إلا أن المطوع يقلل من شأن إمكانية إصابة الاقتصادات الخليجية بعوارض المرض الهولندي.
ويقول: "حاليا نتيجة لاعتماد دول الخليج على العمالة الأجنبية استطاعت أن تتفادى ما يُسمّى بالمرض الهولندي".
تضخم
ويشير المطوع إلى ما يمكن أن يؤدي إليه تدفق السيولة النقدية من سخونة الاقتصاد وارتفاع غير مسبوق في التعامل بالأصول المالية والعقارية وما يصاحب ذلك من ارتفاع مقلق في معدلات التضخم.
ويقول: "السيولة النقدية أدت إلى أن البنوك ابتدأت تقرض بشكل كبير، وبشكل حتى مخالف لما هو متبع في الأسواق المالية الأخرى، ووسعت سوق الأسهم بشكل كبير".
ويضيف: "إذا الدول الخليجية حصلت على عوائد نفطية وأودعتها في البنوك، فعادة هناك ما يُسمَّى بالـMonetary Base (القاعدة النقدية)، وهذه القاعدة إذا ارتفعت فإن ذلك سيؤدي إلى تضخم كبير".
ويعرب عن اعتقاده بأن "جزءا من التضخم الذي تشهده دول الخليج الآن يعود إلى العوائد النفطية وتراكمها في البنوك".
ثمة أمور أخرى في توزيع السيولة المتاحة تقض مضاجع إبراهيم خياط، ذلك أن هذه السيولة "تذهب إلى أيدي ليس كل المواطنين وليس إلى كل العناصر الفاعلة في الاقتصاد، بل تذهب إلى فئة متحكمة في دورة خلق الثروة في الاقتصاد".
ويقول إن "هذه الفئة تقوم بتركيز استثماراتها على القطاعات غير المنتجة، بل قطاعات المضاربة، مثل القطاع العقاري".
ويحذر من أن "هذه القطاعات التي تقوم على المضاربة، وأيضا الأسهم والبورصات التي لا تتميز بنضج كاف، ستؤثر على قدرة النمو مستقبلا".
ويتساءل: "ماذا لو تراجع الاقتصاد الأمريكي، وتراجع استهلاك النفط في العالم وانهارت الأسعار؟"
اختلالات هيكلية
ويرى خياط أن ما يفاقم من حدة هذا الارتفاع المُبالَغ فيه في أسعار الأصول هي مشاكل هيكلية أعمق غورا تشوب الاقتصادات الخليجية.
ويقول: "الحفاظ على السيولة لدعم عملية التنمية تنقصه الشفافية في إدارة الدولة".
ويوضح قائلا: "هناك فئات قليلة تستأثر بحصة كبيرة من الثروة الوطنية من دون محاسبة. أيضا هناك الانفاق الدفاعي، يعني ليس هناك مبرر لنفقات لا يمكن أن تُوَظَّف في إنتاج عملي حقيقي".
ويردف قائلا: "وفي حين أن الأموال تُنفَق لخدمة الاقتصاد العالمي وفي خدمة سياسات إقليمية غير مُنتِجَة، ليس هناك أي سياسات تنمية إقليمية".
ويستطرد خياط قائلا: "هناك فواتير تُسدَّد مقابل إلتزامات دولية والسوق الدولية، ولكن ليس هناك إلتزامات تجاه الاقتصاد الإقليمي".
دروس الطفرات
والطفرة النفطية الحالية التي تنعم بها الدول الخليجية ليست الأولى من نوعها. فلقد مرت بطفرات نفطية سابقة في السبعينات والثمانينات.
ويرى المطوع أن الدروس التي استقتها هذه الدول من تجاربها السابقة ستساعدها في التخفيف من حدة الآثار السلبية للطفرة الحالية.
ويقول: "دول الخليج تفهمت درسا جيدا من خبراتها السابقة مع الطفرات النفطية".
ويوضح قائلا: "حتى الآن دول الخليج كلها لم ترفع ميزانياتها بالشكل الذي يتناسب مع العوائد النفطية. وهناك اعتقاد بأن هذه الطفرة ربما لن تدوم، وبالتالي لا يجب أن يقعوا في مصيدة الإنفاق العام الذي قد يتوقف إذا حدثت إنتكاسة نفطية".
ولكن إبراهيم خياط يستشهد بسياسات اقتصادية تعتمدها الدول الخليجية تشير إلى أن هناك حدودا لمدى استيعابها لهذه الدروس.
ويقول خياط: "دول الخليج اعتمدت سياسات ترشيد إنفاق في بعض القطاعات، ولكنها أيضا زادت الرواتب بشكل تضخمي، ما يتراوح بين 15 إلى 30 في المائة في دول كثيرة؛ والسعودية قامت بتخفيض سعر البنزين والديزل بنسبة 30 في المائة".
ويخلص إلى القول: "وبالتالي هناك عدم توزيع صحيح للثروة من أجل خلق حوافز للانتاج".
ويمضي إلى القول: "ترشيد الانفاق يذهب إلى خفض المديونية. هذا أمر سليم على المدى الطويل، ولكن هناك أيضا نقصا في إجراءات أخرى يجب أن تواكبه لتحفظ هذه الاقتصادات من أي أزمات".
ثمة عوارض جانبية للثروة إذن، وهي عوارض تقلق المحللين الاقتصاديين وهم يواكبون تدفق العائدات النفطية على دول الخليج.
ولعل بعض أشد دواعي القلق هي تلك المتعلقة بتراخي جهود الإصلاح وتوهين حماس الحكومات لسياسات ترشيد الانفاق والانضباط المالي والشفافية.
تشهد الدول الخليجية المنتجة للنفط بحبوحة اقتصادية
وبالتزامن مع الارتفاع الكبير في أسعار النفط في الأسواق العالمية، تشهد الدول الخليجية المنتجة للنفط بحبوحة اقتصادية جراء الموارد المالية الهائلة التي تتدفق عليها.
طفرة نفطية ومالية
ويقول الصحفي الاقتصادي إبراهيم خياط إن "أسعار النفط ارتفعت بمقدار يتجاوز 300 في المائة منذ عام 2002، في وقت ارتفع فيه دخل الدول العربية المُصَدِّرَة للنفط من 186 مليار دولار إلى 440 مليار دولار ويُنتَظَر أن يتجاوز هذه السنة عتبة الـ500 مليار دولار".
وقد ساهم ارتفاع الدخل هذا "في تحسين السيولة المتاحة للحكومات".
وانعكاسات هذه الوفرة المالية تتبدى بوضوح من خلال ملاحظة أن دولة خليجية مثل السعودية تمكنت في السنوات الأخيرة من "خفض ديونها، التي كانت تُعادِل 97 في المائة من إجمالي الناتج القومي إلى41 في المائة من إجمالي هذا الناتج"، كما يشير خياط.
ولكن القلق يساور بعض المحللين الاقتصاديين من المخاطر المُحتَمَلَة لتزايد الفوائض المالية وآثارها السلبية على نمط الإنفاق والاستثمار في هذه الدول.
"المرض الهولندي"
ويستعير الاقتصاديون مصطلحات من علم الطب لتوصيف الآثار السلبية لتدفق الثروة، كما هو حال الدكتور أحمد خليل المطوع، الأمين العام لمنظمة الخليج للاستشارات الصناعية، الذي يلاحظ أن "الثروة إذا جاءت بشكل مفاجيء تؤدي إلى آثار سلبية".
ويوضح قائلا: "هناك ما يُسمَّى بـ'المرض الهولندي'، وهو عادة ما يصيب الدول الغنية بالموارد الطبيعية، وخصوصا عندما ترتفع أسعار هذه الموارد الطبيعية".
ويتابع: "وعندما تحدث طفرة، فإن الصناعة والزراعة هما القطاعان اللذان يتأثران سلبا ويتوسع قطاع الخدمات".
إلا أن المطوع يقلل من شأن إمكانية إصابة الاقتصادات الخليجية بعوارض المرض الهولندي.
ويقول: "حاليا نتيجة لاعتماد دول الخليج على العمالة الأجنبية استطاعت أن تتفادى ما يُسمّى بالمرض الهولندي".
تضخم
ويشير المطوع إلى ما يمكن أن يؤدي إليه تدفق السيولة النقدية من سخونة الاقتصاد وارتفاع غير مسبوق في التعامل بالأصول المالية والعقارية وما يصاحب ذلك من ارتفاع مقلق في معدلات التضخم.
ويقول: "السيولة النقدية أدت إلى أن البنوك ابتدأت تقرض بشكل كبير، وبشكل حتى مخالف لما هو متبع في الأسواق المالية الأخرى، ووسعت سوق الأسهم بشكل كبير".
ويضيف: "إذا الدول الخليجية حصلت على عوائد نفطية وأودعتها في البنوك، فعادة هناك ما يُسمَّى بالـMonetary Base (القاعدة النقدية)، وهذه القاعدة إذا ارتفعت فإن ذلك سيؤدي إلى تضخم كبير".
ويعرب عن اعتقاده بأن "جزءا من التضخم الذي تشهده دول الخليج الآن يعود إلى العوائد النفطية وتراكمها في البنوك".
ثمة أمور أخرى في توزيع السيولة المتاحة تقض مضاجع إبراهيم خياط، ذلك أن هذه السيولة "تذهب إلى أيدي ليس كل المواطنين وليس إلى كل العناصر الفاعلة في الاقتصاد، بل تذهب إلى فئة متحكمة في دورة خلق الثروة في الاقتصاد".
ويقول إن "هذه الفئة تقوم بتركيز استثماراتها على القطاعات غير المنتجة، بل قطاعات المضاربة، مثل القطاع العقاري".
ويحذر من أن "هذه القطاعات التي تقوم على المضاربة، وأيضا الأسهم والبورصات التي لا تتميز بنضج كاف، ستؤثر على قدرة النمو مستقبلا".
ويتساءل: "ماذا لو تراجع الاقتصاد الأمريكي، وتراجع استهلاك النفط في العالم وانهارت الأسعار؟"
اختلالات هيكلية
ويرى خياط أن ما يفاقم من حدة هذا الارتفاع المُبالَغ فيه في أسعار الأصول هي مشاكل هيكلية أعمق غورا تشوب الاقتصادات الخليجية.
ويقول: "الحفاظ على السيولة لدعم عملية التنمية تنقصه الشفافية في إدارة الدولة".
ويوضح قائلا: "هناك فئات قليلة تستأثر بحصة كبيرة من الثروة الوطنية من دون محاسبة. أيضا هناك الانفاق الدفاعي، يعني ليس هناك مبرر لنفقات لا يمكن أن تُوَظَّف في إنتاج عملي حقيقي".
ويردف قائلا: "وفي حين أن الأموال تُنفَق لخدمة الاقتصاد العالمي وفي خدمة سياسات إقليمية غير مُنتِجَة، ليس هناك أي سياسات تنمية إقليمية".
ويستطرد خياط قائلا: "هناك فواتير تُسدَّد مقابل إلتزامات دولية والسوق الدولية، ولكن ليس هناك إلتزامات تجاه الاقتصاد الإقليمي".
دروس الطفرات
والطفرة النفطية الحالية التي تنعم بها الدول الخليجية ليست الأولى من نوعها. فلقد مرت بطفرات نفطية سابقة في السبعينات والثمانينات.
ويرى المطوع أن الدروس التي استقتها هذه الدول من تجاربها السابقة ستساعدها في التخفيف من حدة الآثار السلبية للطفرة الحالية.
ويقول: "دول الخليج تفهمت درسا جيدا من خبراتها السابقة مع الطفرات النفطية".
ويوضح قائلا: "حتى الآن دول الخليج كلها لم ترفع ميزانياتها بالشكل الذي يتناسب مع العوائد النفطية. وهناك اعتقاد بأن هذه الطفرة ربما لن تدوم، وبالتالي لا يجب أن يقعوا في مصيدة الإنفاق العام الذي قد يتوقف إذا حدثت إنتكاسة نفطية".
ولكن إبراهيم خياط يستشهد بسياسات اقتصادية تعتمدها الدول الخليجية تشير إلى أن هناك حدودا لمدى استيعابها لهذه الدروس.
ويقول خياط: "دول الخليج اعتمدت سياسات ترشيد إنفاق في بعض القطاعات، ولكنها أيضا زادت الرواتب بشكل تضخمي، ما يتراوح بين 15 إلى 30 في المائة في دول كثيرة؛ والسعودية قامت بتخفيض سعر البنزين والديزل بنسبة 30 في المائة".
ويخلص إلى القول: "وبالتالي هناك عدم توزيع صحيح للثروة من أجل خلق حوافز للانتاج".
ويمضي إلى القول: "ترشيد الانفاق يذهب إلى خفض المديونية. هذا أمر سليم على المدى الطويل، ولكن هناك أيضا نقصا في إجراءات أخرى يجب أن تواكبه لتحفظ هذه الاقتصادات من أي أزمات".
ثمة عوارض جانبية للثروة إذن، وهي عوارض تقلق المحللين الاقتصاديين وهم يواكبون تدفق العائدات النفطية على دول الخليج.
ولعل بعض أشد دواعي القلق هي تلك المتعلقة بتراخي جهود الإصلاح وتوهين حماس الحكومات لسياسات ترشيد الانفاق والانضباط المالي والشفافية.