شركات استثمارية تجاوزت «المهلة النهائية» لمعالجة أوضاعها... فهل تسلك طريق التصفية؟
«المركزي» يحضّر أول قرارات «الشطب»
مسألة وقت! (تصوير أسعد عبدالله)
| كتب رضا السناري |
قد تشهد الأيام المقبلة أول حالة شطب شركة استثمارية من سجلات بنك الكويت المركزي، بعد انتهاء «المهلة النهائية غير القابلة للتمديد» التي أعطاها اياها «المركزي» للشركة الخليجية الدولية للاستثمار (غلف انفست) لاطفاء خسائرها. المهم في القرار المتوقع أنه يرسم نموذجاً لما سيكون عليه حال الشركات الاستثمارية التي تخسر 75 في المئة من رأسمالها.
ليست «غلف انفست» سوى ورقة في ملف شائك. فقد بات في حكم المؤكد أن عدداً لا يستهان به من شركات الاستثمار الخاضعة لرقابة بنك الكويت المركزي لن تكون قادرة على توفير الحد الأدنى للقاعدة الرأسمالية التي يلزمها بها «المركزي»، وهي 15 مليون دينار. لكن القليل من المواد القانونية والتجارب السابقة تنبئ عما يمكن أن يحدث لاحقاً.
ومع بداية العام 2011، تجد بعض شركات الاستثمار خارج المهل النهائية التي منحها اياها «المركزي» لاطفاء الخسائر واعادة بناء رساميلها، سواء كانت هذه المهل معلنة عبر البورصة، أو غير معلنة لكون الشركات المعنية بها غير مدرجة.
تصلح «غلف انفست» نموذجاً. فقد أعطاها «المركزي» مهلة نهائية غير قابلة للتمديد حتى 2010/12/31 لزيادة رأسمالها بما يكفي لاطفاء خسائرها المتراكمة والاحتفاظ بحد أدنى لرأس المال 15 مليون دينار.
كانت الخسائر المتراكمة على الشركة قد بلغت 226 في المئة من رأسمالها (نحو 44 مليون دينار) بنهاية 2009، ورفضت الجمعية العمومية غير العادية للشركة في 11 أغسطس الفائت توصية مجلس الادارة بخفض رأس المال لاطفاء الخسائر، وحينها أبلغ رئيس مجلس ادارة الشركة عبد المحسن المشعان المساهمين بصعوبة اعادة الهيكلة واقناع الدائنين بتحويل بعض مديونياتهم الى أسهم، وكانت تلك اشارة الى ادارة الشركة لا تملك أي حلول سوى انتظار قضاء الله وقدره.
ومع انتهاء المهلة النهائية من الواضح أن شيئاً لم يتغير في واقع الشركة، فلا زيادة رأس المال نفدت ولا الخسائر أطفأت، ولا خطة لاعادة الهيكلة وضعت على الطاولة، ما يعني أن السوق سيكون خلال الأيام المقبلة أمام أول نموذج لتعامل البنك المركزي مع حالة تعثر شركة استثمار خسرت رأسمالها.
يقول محامٍ متخصص في قضايا الشركات ان من المتوقع في حالة كهذه أن يطبق «المركزي» الجزاء الأقسى لديه، وهو الشطب من سجل شركات الاستثمار.
لكن الأسئلة تبرز هنا، ماذا تنتظر شركات الاستثمار التي تصفى من سجل «المركزي»؟ هل ستواجه التصفية كنتيجة ملزمة بعد الشطب ام هناك بدائل اخرى يمكن الاتكاء عليها وقت الحاجة؟ وهل يجوز للجهات التي تشطب من سجل شركات الاستثمار لدى «المركزي» ان تطلب التحول الى قابضة؟
يقول المحامي ان «الشطب يعني نظريا التصفية، على اساس ان احدى مواد قانون الشركات التجارية تؤكد على ان بقاء الشركة مرتبط ببقاء النشاط، وبما أن شطب الشركة هو الغاء للنشاط، فهذا يعني حكما انها اصبحت بلا نشاط يسوّغ بقاءها».
ويتوقع المحامي أن يطلب «المركزي» من وزارة التجارة اتخاذ اجراءات لتصفية الشركة. وعندها تبدأ سلسلة من الاجراءات قد تقود الى تعيين مصفٍّ، لكن المخارج القانونية للهرب من هذا المصير تبقى موجودة عند جانبي الطريق.
سابقة «الدولية»
وثمة سابقة في هذا المجال، تتمثل في قرار اتخذه «المركزي» في العام 1999 بشطب الشركة الدولية الكويتية للاستثمار من سجل شركات الاستثمار، اثر النزاع المعروف الذي نشب بين الشركة ووزارة المالية طيلة فترة التسعينات.
ومع أن الشركة نجحت لاحقاً في الحصول على حكم قضائي بالغاء قرار الشطب مع ما ترتب عليه من آثار، الا أن المهم في تلك السابقة أن قرار الشطب استتبع اجراءات من «التجارة» لتصفية الشركة، اذ تلقت الشركة بالفعل كتاباً من الوزارة تطلب فيه الأخيرة عقد جمعية عمومية لاتخاذ قرار التصفية، قبل أن يصدر الحكم القضائي بالغاء قرار البنك المركزي بالشطب.
يستنتج مصدر قانوني من هذه السابقة أن اجراءات التصفية من مسؤوليات وزارة التجارة وليس «المركزي» كما يظن البعض، واقرارها يتعين ان يتخذ من الوزارة، اما الشطب فطبيعته اجرائية مرتبطة بدور «المركزي» في مراقبة الجهات العاملة تحت رقابته، فبحكم ما لديه من معلومات على هذه الجهات يستطيع «المركزي» شطب شركة ما من سجلاته.
لكن في ما سوى ذلك، لا يمكن القياس كثيراً على سابقة «الدولية للاستثمار»، فقضيتها كان لها سياقها المرتبط بالمديونيات التي تمت معالجتها بعد الغزو، وبالنزاع القانوني الذي نشأ لاحقاً. أما سابقة «غلف انفست» فمختلفة تماماً، وأهميتها أن شركات عديدة تسير على الطريق نفسه، ولذلك فان أهمية هذه السابقة أنها تصلح للقياس عليها في ما سيلي من حالات.
ماذا ستفعل «التجارة»؟
واذا كانت الصورة واضحة حول المتوقع من البنك المركزي تجاه الشركات التي استنفدت فرص المعالجة، فان الأنظار تتجه الآن الى وزارة التجارة ترقباً لكيفية تعاملها مع طلب البنك المركزي بدء اجراءات التصفية.
الجواب لدى مدير ادارة الشركات في وزارة التجارة داود السابج، الذي أوضح أن «التجارة» تبادر عند تلقيها خطاباً «المركزي» لاتخاذ اجراءات التصفية، الى دعوة المساهمين الى عقد جمعية عمومية غير عادية لاتخاذ قرار التصفية، وفي حال عدم الاستجابة تدعو «التجارة» مساهمي الشركة لعقد الجمعية العمومية وفقا للمادة 178 من قانون الشركات التجارية، فاذا أقر المساهمون قرار التصفية يتحقق المراد، واذا تمنّعوا فان «التجارة» تلجأ الى القضاء لاستصدار أمر بالتصفية وتعيين مصفٍ قضائي.
ويبين السابج أن حماية اصول الشركة التي يقرر القضاء تصفيتها مسؤولية مجلس الادارة القائم عليها الى ان يتم تعيين مصف قضائي، بمعنى ان اي تصرف في اصول الشركة أو مخالفات مالية أو غير مالية في هذه الفترة مسؤولية مجلس الادارة القائم عليها حتى وان انتهت دورته قبل تعيين مصف.
لكن ماذا لو قررت الجمعية العمومية حينها اتخاذ اجراءات لاطفاء الخسائر وانقاذ الشركة؟ أليست الجمعية العمومية سيدة نفسها؟
يوضح السابج أن هذا ممكن نظرياً، لكن الباب لن يكون مفتوحاً لقرار كهذا اذا كان الهدف منه كسب الوقت والمناورة، لكن قد ينظر الى قرار كهذا اذا كانت هناك معطيات جدية تدعو الى ذلك، خصوصاً وأن الاجراءات من هذا النوع جديدة على مجتمع الشركات الكويتية وتستدعي بعض المرونة، من دون التفريط بالحزم.
وفي كل الأحوال، يؤكد السابج أن «التجارة» تخطر «المركزي» بما تم في الجمعية العمومية من نقاشات، وتقف على رأيه في ما يطرأ من مستجدات خلال الجمعية العمومية، ليختار بين التوقف عند تلك المستجدات أو المضي في قرار الشطب وما يستتبعه من تصفية.
التنسيق مع «المركزي»
ولا يوافق السابج على التوصيف بأن «التجارة» في حالات كهذه مجرد جهة منفذة لقرار «المركزي» من دون أن تملك السلطة التقديرية للميل لصالح الشركة اذ رأت انها لا تستحق التصفية، وقال ان «التجارة» لا تسلم بكل قرارات «المركزي» من دون بحثها، فالامر خاضع للتنسيق بين الجهتين. لكنه يستدرك بأن «المركزي» لديه من البيانات ما يمكنه من اتخاذ القرارات السليمة اكثر من اي جهة اخرى، واذا لم تقتنع الوزارة بقرار «المركزي» ترجع عليه وتناقشه، واحيانا يتطور الامر الى اجتماعات يقصد منها التوضيح وتحليل حيثيات القرار.
ولم ينكر السابج ان اقرار «التجارة» بتصفية جهة ما يتوقف على مدى وضوح توجيهات «المركزي» في المقام الأول، فالوزارة لا تتأخر في القيام بالمقتضى حين يطلب «المركزي» صراحة اتخاذ اللازم في شأن التصفية. وهو ما يسمى بالاجراء الصريح، بخلاف ما اذا اكتفى «المركزي» باخطارها بقرار شطب الشركة من سجلاته.
ويشير في هذا الصدد الى الحالات التي لا يكون فيها شطب الشركة من سجل شركات الاستثمار عائداً الى الخسائر، بل الى رغبة الملاك بتحويل نشاطها، مثل المجموعة المالية الكويتية وشركة الراية للاستثمار.
ويشير السابج الى ان «التجارة» لها مسارها الخاص في متابعة الشركات التي تخسر 75 في المئة من رأسمالها، بمعزل عن خضوعها أو عدم خضوعها لرقابة «المركزي». ويوضح في هذا المجال أن هناك نماذج مقابلة لشركات استثمار مثل «جلوبل»، استطاعت ان تتجاوز ازمتها، وأثبتت قوة مركزها، في حين أن هناك حالات اخرى تعاني من مشاكل في الجودة، والقدرة على الحياة، اضافة الى ان بعض الشركات تواجه تدهوراً اضافيا بسبب الصراع بين كبار ملاكها. وحتى أكثر «المناورين» تفاؤلا قد يخرج بالقول على ذلك، انه اذا خرجت الشركة المتعثرة من مواجهة «المركزي» بشأن تآكل رأسمالها أو تراجعه عن الحد الادنى، فانها ستواجه «التجارة» التي ستطالبها بمعالجة الخسائر وزيادة رأس المال اذا لزم الامر، ما يعني ان الشركة لن تستفيد من الهروب الأخير.
يصح اذاً القول الشطب لا يعني التصفية حكماً، لكن يصح القول أيضاً في حق الشركات الخاسرة، من لم يدركه الشطب تدركه التصفية.